شدد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أول أمس على ضرورة بذل المزيد من الجهود لمواصلة التحول والتحديث الذي يشهده قطاع العدالة بفضل تطبيق الإصلاحات، داعيا إلى الاستمرار في تكييف التشريعات الوطنية لجعلها كفيله بحماية المواطنين والمجتمع، من خلال عدالة تطبق القوانين وتتساوق وتحديات العصر، وتكرس مبدأ "القانون فوق الجميع". واعتبر القاضي الأول في البلاد خلال اجتماع مجلس الوزراء أن مسار ترقية الحريات وتكريسها في المجتمع يقتضي توفير منظومة قضائية ناجعة للتحكيم في سائر العلاقات بين الأفراد والعلاقات بين الشخصيات الاعتبارية، مشيرا خلال استعراضه في اجتماع مجلس الوزراء، لمشاريع قوانين جديدة في قطاع العدل إلى أن ظهور أشكال جديدة من الجرائم وأشكال الإخلال بالقانون، تقتضي تكييف المنظومة التشريعية الوطنية، لجعلها كفيلة بحماية المواطن والمجتمع، عن طريق عدالة تطبق قوانين تتساوق وتحديات العصر. وفي هذا الإطار شدد الرئيس على أن القانون يجب أن يسود فوق الجميع بدون استثناء، وألح على ضرورة أن تكفل أحكام العدالة حماية الحقوق الفردية والجماعية، وأن تتبع بتطبيق فوري من قبل الجميع، حتى تكرس ثقة المواطن في العدالة، وتتاح بذلك للمواطنين بدون استثناء اللجوء إلى محاكم الجمهورية المختصة لصون حقوقهم أو استرجاعها والاستفادة من إنصاف العدالة. وكان الرئيس بوتفليقة قد حذر بمناسبة افتتاحه للسنة القضائية الجديدة السلطات التي لا تنفّذ قرارات العدالة، داعيا إياها إلى الانضباط مع الدولة والمجتمع والعمل على تحقيق وتجسيد مبدأ سيادة القانون فوق الجميع، كما انتقد بطء تنفيذ الأحكام الصادرة بشكل نهائي عن العدالة، متوعدا بمتابعة السلطات التي لا تنفذ هذه الأحكام. كما انتقد رئيس الجمهورية في سياق متصل، تأخر استكمال معالجة بعض ملفات المعنيين بتدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بفعل العقبات البيروقراطية، وتهاون المعنيين أحيانا، وفيما أوعز للوزير الأول تفعيل عمل اللجنة الوطنية المكلفة بتنفيذ الإجراءات المحددة في الميثاق، دعا الحكومة إلى العمل على تعجيل استكمال هذا العملية، مشددا على ضرورة بلوغ هذا العمل مبلغه، طبقا للإرادة التي عبرت عنها الأمة. في المقابل نوه الرئيس بعد استعراضه لمشاريع القوانين الجديدة التي ستعزز بها المنظومة الوطنية التشريعية، بالتعديل الذي تم إدخاله على القانون الخاص بالمساعدة القضائية، معتبرا بأن توسيع الاستفادة من هذه المساعدة إلى الشخصيات الاعتبارية والجمعيات التي تخدم الصالح العام، يمنح للمجتمع فرصة المشاركة في الحفاظ على حقوق المواطنين وفي مراعاة الواجب المدني، وذلك من منطلق أن هذا الحق يتيح للأطراف المذكورة وسائل التأسس كطرف مدني للدفاع عن الصالح العام، وعن جودة الوسط المعيشي. فحسبما جاء في نص مشروع القانون هذا، فإن المساعدة القضائية تمكن الأشخاص ضعاف الحال والهيئات التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتعمل للصالح العام من المطالبة بحقوقهم أمام سائر الجهات القضائية، حيث تكفل الخزينة مصاريف المحضر القضائي والموثق. واعتبر الرئيس بوتفليقة في تعقيبه عن نص المشروع، أن توسيع الاستفادة من المساعدة القضائية لتشمل الشخصيات الاعتبارية التي لا يكون هدفها الكسب والجمعيات التي تخدم الصالح العام، وكذا الأجانب المقيمين بصفة قانونية والعاجزين عن الدفع، المتاجرة بالأشخاص وبالأعضاء البشرية والمهاجرين وضحايا الإرهاب والمعوقين، دليلا إضافيا على عزم المجموعة الوطنية وإصرارها على محاربة كافة أشكال الجرائم الغريبة عنها وتأكيدا على تمسك الشعب الجزائري باحترام الكرامة الإنسانية. كما أعرب من جانب آخر عن ارتياحه لوضع مشروع قانون للوقاية من الإجرام المعلوماتي، الذي استند إلى المعايير التي اعتمدتها بلدان أخرى في كنف احترام الحقوق الفردية المنبثقة من الاتفاقات العالمية ذات الصلة، وذلك بهدف إضفاء الانسجام بين التشريع الوطني والاتفاقات الدولية المبرمة في هذا المجال، ولا سيما منها اتفاقية "بودابيست" حول الجرائم المعلوماتية. ويحدد مشروع هذا القانون القواعد والإجراءات التي تحكم عمليات مراقبة الاتصالات الالكترونية التي لا يمكن القيام بها إلا بترخيص صريح من القاضي ولا يكلف بها سوى ضباط الشرطة القضائية، ويلزم العاملين في مجال توفير الخدمات والإنترنيت بالتعاون مع الجهات المختصة قضائيا، كما ينص على إنشاء جهاز وطني مكلف بالوقاية من المخالفات المرتكبة بواسطة تكنولوجيات الإعلام والاتصال، لاسيما منها المخالفات الموصوفة بالأعمال الإرهابية أو التخريبية ومحاولة المساس بنظام إعلامي بغرض تهديد مؤسسات الدولة أو الدفاع الوطني أو المصالح الاستراتيجية للاقتصاد الوطني. وتضمن العرض الشامل الذي قدمه وزير العدل حول جهود قطاع العدالة في محاربة الإجرام، تذكير بما مرت به الجزائر من ظروف مأساوية هددت استقرارها بفعل ظاهرة الإرهاب، وما من ظواهر غريبة استفحلت في المجتمع جراء التحولات والتداخل الذي تتسم به العلاقات الدولية، على غرار تهريب السلع وتهريب المخدرات والرشوة وتبييض الأموال والمتاجرة بالأعضاء البشرية والاتجار بالأشخاص والهجرة السرية والجرائم المعلوماتية. وابرز العرض في المقابل أهمية الإصلاح الذي ادخل على القطاع، وما صاحبه من تكوين للقضاة ومختلف أعوان العدالة وتعزيز لوسائل القطاع وصلاحياته وتكريس لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم، وصون كرامة المحبوسين، علاوة على دعم المنظومة التشريعية بقوانين جديدة كفيلة بالوقاية من كافة أشكال الإجرام وردعها، سواء من خلال المراجعات المتتالية والتدريجية لقانون العقوبات أو من خلال إصدار قوانين متخصصة منبثقة عن الاتفاقات الدولية.