تعد الصدمة النفسية أحد أخطر الآثار التي تخلفها الاعتداءات الواقعة على الأفراد وتكمن خطورتها في كون الألم النفسي لا يظهر على جسم المتضرر، ولا يشعر به عند وقوع الاعتداء أو الحادث بل بعد مرور مدة من الزمن، حيث تبدو عليه بعض السلوكات التي لا يجد لها تفسيرا مما يزيد في معاناته كونها تنعكس سلبا على حياته. كما أن العلاج من هذه الصدمة النفسية قد يأخذ وقتا مطولا وقد لا يشفى منه الضحية مطلقا لأن الأمر في هذا الخصوص يتعلق بمدى قابلية الضحية لتقبل الاعتداء الواقع أو لا. ولعل من أخطر هذه الاعتداءات التي تخلف آثارا نفسية عميقة هي تلك التي خلفتها العشرية السوداء والمتعلقة بضحايا الإرهاب إلى جانب الاعتداءات الجنسية خاصة على الأطفال، ناهيك عن حوادث المرور والكوارث الطبيعية. يرى الطبيب سي حاج وهو مختص في التشريح الطبي بمستشفى مايو والذي التقته -المساء - في المؤتمر الذي انعقد مؤخرا حول الصدمة النفسية أن الهدف من الحديث عن الصدمة النفسية هو تسليط الضوء على أحد أهم الآثار التي تترتب عن الاعتداء الذي يقع على الأشخاص، حيث يقول " كثيرا ما نجهل ما يسمى بالصدمة النفسية التي يولدها الاعتداء لحظة وقوعه، ويغفلها أغلب المتضررين من منطلق أنها تزول مع مرور الوقت، ولكن الأمر غير ذلك إذ أن أول شيء يتم القيام به بعد تعرض الشخص لحادث ما هو التوجه نحو المستشفى حتى يأخذ العلاج الأولي، بعدها يتم التكفل بالجانب النفسي للضحية وذلك بالبحث في مخلفات الاعتداء على نفسية المتضرر، ويكون ذلك من خلال الاستماع إليه وتوجيه بعض الأسئلة له للتأكد إن كان سلوكه سويا أم لا، ويتم التعرف على ذلك من خلال ملاحظة ظهور بعض العلامات على سلوك الفرد وتصرفاته، كأن يجد مثلا صعوبة في النوم أو كأن يتراجع تحصيله الدراسي أو يمتنع عن الخروج إلى الشارع، فكل هذا يدل على أن هذا الأخير يعاني من آثار الصدمة النفسية التي وقعت له جراء الاعتداء. إلى جانب كونه لم يعط لنفسه فرصة العلاج أو لأنه استهان بالعلاج النفسي" وعلى العموم يضيف المتحدث "الهدف من المتابعة النفسية هو التخفيف عن الضحية والعمل على مساعدتها بقدر الإمكان من اجل الخروج من الحالة التي تكون عليها، هذا دون أن ننسى العمل على توعية المتضررين أو ضحايا الاعتداءات حول الحقوق التي يتمتعون بها كتقديم شكوى أو طلب استشارة محامي إلى جانب نصحهم بوجوب الرجوع إلى المستشفى قصد معاودة الفحص لأن هناك بعض الأشخاص من المعتدى عليهم يقع على عاتقهم مهمة الكشف الدوري للتأكد من سلامة ملكاتهم العقلية، وفي حال الشك يتم إرسالهم إلى مختصين في الطب النفسي أو العقلي لمتابعة علاجهم أو إلى الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الضحايا". لذا ينبه الدكتور سي حاج إلى ضرورة توعية المجتمع بخطورة عدم المتابعة الطبية عند وقوع الحوادث أيا كان نوعها لأنه لا يمكن التنبؤ بما ينجر عنها من آثار قد يصعب علاجها لاحقا.
ضرورة استحداث جهاز خاص بمتابعة ضحايا الاعتداء ومن جهته يكشف السيد كمال بوسعيدي وهو طبيب شرعي مساعد بمستشفى مايو ل "المساء" وبلغة الأرقام" أن حالات الاعتداء ثم التكفل بالضحايا صعبة، وتكمن الصعوبة في كون التكفل بالضحايا الذين يتزايد عددهم يوميا يتطلب تدخل العديد من الجهات كأسلاك الأمن والمستشفى والمحامي والمساعدين الاجتماعين والنفسانيين وغيرهم فمصلحة الطب الشرعي بباب الوادي وحدها استقبلت أكثر من 5000 حالة اعتداء مختلفة سنة 2007، حيث سجلت المصلحة 4220 حالة اعتداء تتعلق بالضرب والجرح العمدي، أما حوادث المرور فقد بلغ عددها 1064 حالة، في حين وصل التعدي الجنسي إلى 43 حالة، كما تم تشريح 297 جثة منهم 22 بالمئة مارسوا العنف ضد أنفسهم عن طريق الانتحار. وأمام هذا الارتفاع في عدد الضحايا ومن اجل تكفل جيد وجدي بهم من خلال علاجهم ومتابعتهم والاستماع إليهم والعمل على إعادة تأهيلهم ومحو آثار الصدمة الواقعة عليهم، يؤكد المتحدث على " ضرورة وجود جهاز موحد مكون من جميع الهيئات التي لها علاقة بالمعتدى عليه كالطبيب الشرعي والمحامي والطبيب النفسي والمساعدين الاجتماعين وغيرهم يتولى عملية المراقبة ويخضع لتنظيم قانوني منظم يضمن للضحايا على الأقل معرفة حقوقهم ومساعدتهم على تخطي الأزمة النفسية الواقعة عليهم جراء الاعتداء، خاصة وأننا في وقت يجهل فيه أغلب الناس ابسط حقوقهم أو الطريقة التي ينبغي لهم اتباعها من أجل تحصيل ما لديهم من حقوق أو الخروج على الأقل من الحالة النفسية الصعبة التي يعيشونها". وعليه يضيف السيد كمال بوسعيدي "أنه ومن أجل الوصول إلى تجنب "انفجار" الضحية جراء عدم قدرتنا على التكفل بها لا بد لنا من تحقيق هذه المعادلة الصعبة والمتمثلة في إقامة جهاز خاص مهمته الاستماع ومراقبة والتكفل بكل احتياجات الضحايا".
حوادث المرور تسهم في ظهور الصدمة النفسية أما السيدة بن حركات أستاذة في علم النفس فقد ركزت في حديثها مع المساء على التعقيدات النفسية الحادة التي تنتج عن الموت العنيف الناجم عن حوادث المرور التي تعرف تزايدا مستمرا، فقد كشفت إحصائيات السداسي الأول من السنة الجارية عن وجود 1600 حالة تتعلق بحوادث المرور، والتي يترتب عليها فقدان شخص من العائلة أو من أحد الأقرباء، بحيث يجد أهل الضحية صعوبة كبيرة في تحمل الخبر بل وهناك من يرفضه مطلقا وعليه فالحادث يساهم إلى حد كبير في ظهور الصدمة النفسية، ولعل من أهم العوامل التي تسهم في تغذية هذه الصدمة هو طول الحداد وكثرة البكاء ورفض التحدث والمعاناة إلى جانب غياب المتابعة النفسية، ومن أجل التخفيف من حدة الصدمة والخروج منها يقع على كاهل عائلة الفقيد مهمة التكفل بالمتأثر بالصدمة للتخفيف منها عليهم بغية الخروج من الأزمة بأقل الخسائر، أو إرشادها إلى ضرورة الخضوع للمتابعة النفسية. وعليه تخلص المتحدثة إلى القول "إن حوادث المرور أسهمت إلى درجة كبيرة في تفشي الأمراض النفسية جراء عدم تقبل فكرة وفاة احد أفراد العائلة أو احد المقربين" . وهو نفس الرأي الذي وجدناه عند أعوان الحماية المدنية الذين يتواجدون بصورة دورية عند حدوث أي كارثة طبيعية كالفيضانات أو الزلازل والتي تخلف وراءها هلعا كبيرا نتيجة رؤية الحادث، أو لأن الحادث الطبيعي يخلف دمارا كبيرا، في هذه الحالة تقول إحدى عونات الحماية المدنية" إنه عند تنقلهم إلى مكان الحادث ترافقهم دائما سيارة إسعاف تكون محملة بطاقم طبي متنوع من أطباء ومختصين نفسانيين واجتماعين وذلك للحد والتخفيف من الصدمة على نفسية الضحايا لأن المتضرر قد يفقد ملكاته العقلية جراء عدم تقبل فقدان منزله أو احد أقاربه أو حتى احد أعضائه" .
انتشار الأمراض النفسية جراء تنامي العنف للجمعيات والشبكات الفاعلة والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الأشخاص المعتدى عليهم دور كبير في التخفيف من وقع الصدمة على ضحايا الاعتداءات بمختلف أنواعها وأشكالها، ومن بينها شبكة وسيلة الواقعة "بدرارية" التي جعلت مساعدة المعتدى عليهم أهم هدف لها تسعى لتحقيقه من خلال تخصيص خط هاتفي أسبوعي للاستماع إليهم و توجيههم و توعيتهم بالطرق الكفيلة لتحصيل حقوقهم ، لا سيما وان الاغلبية الساحقة من المعتدى عليهم نساء يخافون حتى من مجرد التصريح أو الكشف عن بعض الاعتداءات التي لا تزال إلى حد اليوم تشكل طابوهات لا ينبغي حتى الكشف عنها، وبالتالي تتحملن الألم وتسكتن عنه لا سيما إذا تعلق الأمر بالاعتداءات الجنسية الواقعة بين أفراد الأسرة أو حالات الحمل الناجمة عن العلاقات غير الشرعية والتي تولد أمراضا نفسية مستعصية يصعب أحيانا علاجها، لذا فإن مهمة الشبكة حسب ما تقوله عضوة بها يكمن في جعل المرأة ضحية الاعتداء تتغلب على صدمتها وتتجاوزها حتى تتمكن من مواصلة المشوار. في حين تؤكد السيدة وهيبة دحمون مختصة في علم النفس قسم العيون بمستشفى مايو انه قبل العشرية السوداء لم نكن نشهد حالات للأمراض النفسية بشكل كبير كتلك التي عرفتها الجزائر بعد العشرية السوداء حيث تقول" هذه الفترة خلفت العديد من الصدمات النفسية المستعصية والتي تطلبت متابعة دورية للخروج من الحالة ، إلا أن هناك حالات أخرى أسفرت فيها المتابعة النفسية عن وجود حالات لأمراض عقلية تطلبت التداوي بالأدوية والخضوع دوما للمراقبة الطبية من طرف مختص حتى نجنبه ممارسة العنف ضد نفسه أي الانتحار.