وضعت السلطات السياسية والأمنية المغربية في حالة استنفار قصوى تحسبا لمسيرة ضخمة ينتظر أن تشهدها العاصمة الرباط اليوم للمطالبة بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف. وسيكون آلاف المتظاهرين على موعد تاريخي في ساحة باب الأحد في قلب العاصمة الرباط قبل السير عبر شوارع المدينة ضمن أضخم مسيرة احتجاجية ضد السلطات المغربية وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية المتعثرة. واستنفرت السلطات المغربية قواعدها بعد أن أكد تيار اليسار وحركة العدل والإحسان وأكثر من 145 هيئة مدنية وحقوقية واجتماعية مغربية مشاركتها فيها ضمن أكبر مسيرة احتجاجية للضغط على المخزن المغربي من أجل رفع يده عن الحريات العامة والفردية والتجاوب مع المطالب الاجتماعية المتزايدة لسكان مختلف المناطق المتذمرة من حالة اليأس التي تنتابها، في ظل غياب مؤشرات الخروج من دوامة ضنك العيش الذي تعيش فيه. وأصدرت مختلف الجمعيات والمنظمات التي أعلنت مشاركتها في هذه المظاهرة بيانات حثت من خلالها المواطنين على المشاركة فيها لإسماع صوتها الرافض للأحكام القاسية التي أصدرتها محكمة جنايات الدار البيضاء في حق 53 من معتقلي حراك الريف، والتي تراوحت بين سنة و20 سنة سجنا نافذا. كما طالبت هذه الجبهة الاحتجاجية، السلطات المغربية، الاستجابة لمطالب الحركات الاحتجاجية في منطقتي الحسيمة وجرادة، في نفس الوقت الذي استفسرت فيه عن طبيعة «نموذجها التنموي» الذي بمقدوره إخراج البلاد من متاهة المتاعب الاقتصادية التي انعكست على الواقع المعيشي اليومي للمواطن المغربي. وتأتي مسيرة العاصمة الاحتجاجية، بعد تلك التي شهدتها مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمبلاد والتي كانت بمثابة ناقوس خطر استشعر القصر الملكي خطره المحدق كونها أخرجت موجة الغضب الشعبي من محيط منطقة الريف إلى مدن مغربية أكبر واستقطبت مواطنين ليسوا بالضرورة من أبناء هذه المنطقة. كما أن السلطات المغربية بدأت تبدي مخاوف من خروج المطالب الشعبية من دائرة الدعوة إلى إطلاق سراح ناصر الزفزافي ومجموعته من معتقلي حراك الريف، إلى مطالب اجتماعية واقتصادية، وهو ما يعني بصورة تلقائية تحول الاحتجاجات إلى موجة غضب وطنية على اعتبار أن ظروف العيش المتدنية هي نفسها في الريف وجرادة وفي الأطلس وحتى في كبريات مدن البلاد، حيث أحياء الصفيح التي تضم في جناباتها متناقضات المجتمع المغربي بين مظاهر غنى فاحش وفقر مدقع. وكان لعودة الاحتجاجات إلى مدينة جرادة في شرق المملكة نهاية الأسبوع الماضي، مؤشرا قويا على هذا المنحى الذي قد تأخذه المظاهرات الاحتجاجية في إحدى أفقر مناطق المغرب بعد إقدام الأجهزة الأمنية المغربية على اعتقال وملاحقة العديد من نشطاء حراك مدينة الفحم التي فاض كأس غيض سكانها قبل عام بعد هلاك شقيقين داخل أقبية منجم فحم مهجور بحثا عن لقمة عيش بلون ورائحة الفحم. وعمد سكان جرادة في الذكرى الأولى لتلك الحادثة الفاجعة إلى الاعتصام داخل أقبية المناجم المهجورة التي كانت إلى وقت قريب مصدر عيشهم الوحيد قبل أن تقدم السلطات المغربية على غلقها وتتحول إلى سبب في هلاك العديد من أبنائها الذين يغامرون بأرواحهم لإنقاذ حياة ذويهم من الموت جوعا بعد أن شحت مصادر العيش وانعدمت. وهو تصرف أثار غضب السلطات المحلية في مدينة وجدة التي تتبعها جرادة إقليميا، مما دفع بها إلى إرسال تعزيزات أمنية كان من نتيجتها اندلاع مواجهات عنيفة بين السكان المتظاهرين وأعوان الشرطة في محاولة لإسكات نار الغضب المتصاعد في جرادة ومنع وصول لهبها إلى عاصمة إقليم وجدة.