لم يشفع الإنزال الحكومي المغربي إلى مدينة جرادة التابعة إقليميا لمحافظة وجدة عاصمة شرق المملكة المغربية في إطفاء نار الغضب لدى سكان هذه المدينة الذين رفضوا كل الوعود الحكومية لإخراج منطقهم من دائرة الفقر والحرمان التي يعيشون فيها منذ عقود. وشهدت الساحة المركزية لمدينة الفحم أمس، تجمعات احتجاجية في نفس الوقت الذي حل فيه وزير الفلاحة عزيز أخانوش بالمدينة، حيث التقى بالمنتخبين المحليين وممثلي مختلف النقابات وممثلين عن السكان المحتجين. يذكر أن مدينة جرادة تعيش منذ الثاني ديسمبر الماضي مظاهرات احتجاجية بعد مقتل شقيقين ردما تحت أنقاض منجمين مهجورين للفحم، حيث كانا يحاولان استخراج كميات من هذه المادة قصد بيعها وإعالة أسرتيهما وكان ذلك بمثابة شرارة أخرجت غيض السكان إلى الشارع احتجاجا على انعدام فرص العمل في مدينتهم. وأثار تواتر هذه المسيرات مخاوف في أعلى هرم السلطة المغربية وهي التي لم تتمكن إلى حد الآن من احتواء حراك الريف المتواصل منذ بداية مقتل صياد السمك محسن فكري داخل شاحنة لجمع القمامة شهر أكتوبر 2016. وقال أحد نشطاء حراك الجرادة قبل دخوله إلى الاجتماع مع وزير الفلاحة إن السلطات أصمت أذنيها عن سماع مطالب السكان والعمل على تلبيتها ولم تحرك ساكنا من أجل إيجاد حلول لهذه المطالب، بما يبرر تواصل المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية التي شلت كل مظاهر الحياة في هذه المدينة الفقيرة أصلا. وعاشت المدينة نهار الجمعة ضمن هذا الحراك إضرابا عاما شنه تجارها وبعض إداراتها وبنوكها احتجاجا على هذا التجاهل. ويطالب سكان المدينة التي تعرف أيضا باسم مدينة الفحم ضمن حركتهم الاحتجاجية التي سموها ب«حركة الخبز الأسود" من ضمن مطالبهم، بتسوية دفع فواتير الماء والكهرباء التي لم يعودوا قادرين على تسديدها وتكفل المصالح الصحية بتفشي داء السليكوز الذي يعاني منه غالبية السكان وبصفة خاصة عمال مناجم الفحم قبل إغلاقها، بالإضافة إلى تخصيص مشاريع تنموية لامتصاص حدة البطالة في المنطقة ومحاسبة من أسموهم ب«بارونات الفحم" في إشارة إلى أعيان المدينة الذين منحتهم السلطات المركزية تراخيص لاستغلال المناجم المهجورة ومنعها على عامة الناس. ويعد وصول وزير الفلاحة إلى المدينة ثاني إنزال حكومي "طارئ" بعد زيارة أول وفد حكومي بداية الشهر الجاري، حيث أصدرت السلطات المغربية "مخططا استعجاليا" تضمن خطة للتشغيل وأخرى لحماية المناجم من أي استغلال. وهي نفس الطريقة التي استعملها القصر الملكي في محاولته احتواء حراك منطقة الريف بداية العام الماضي ولكنه فشل في ذلك. ولم يكن للحكومات المغربية أن تتحرك بمثل هذه السرعة لاحتواء التململ الذي يعيشه المجتمع المغربي لولا اندلاع بؤر الاحتجاجات فى مختلف مناطق البلاد والتي أثرت على عمق الأزمة الاجتماعية في هذا البلد وعجز السلطات المركزية في الرباط عن تلبية مطالب السكان وخاصة في المناطق المحرومة، الذين لم يعودوا يطيقون العيش في ظل انعدام أي أفق لتحسين ظروف حياتهم اليومية.