* email * facebook * twitter * google+ حدثنا الدكتور بوبكر محب الدين، عضو بجمعية "الفجر للتكفل بمرضى السرطان" في هذا الحوار، عن تجربة الجمعية في مجال التكفل النفسي بمرضى السرطان، بعدما أثبتت الأبحاث العلمية حسبه "أن علاج مرضى السرطان لا يتوقف على الجانب العضوي فقط، ممثلا في الأدوية، بل يتخطاه إلى التكفل النفسي لبلوغ ما يسمى في الطب الحديث، بجودة الحياة لمرضى السرطان. التقته "المساء" مؤخرا، على هامش مشاركته في ملتقى التكفل النفسي بمريض السرطان، فكان هذا اللقاء. ❊ بداية، ما سر الاهتمام بالتكفل النفسي لمرضى السرطان؟ — جمعية "الفجر" من الجمعيات الأوائل التي بدأت تتكفل بمرضى السرطان، حيث كانت الانطلاقة سنة 1989، إذ وجهت في أول الأمر جهودها لدعم المرضى من خلال التكفل بالجانب العلاجي، كحجز المواعيد وعرضها على المختصين وتأمين الأدوية، بعدها تبين لنا أن الاهتمام بالجانب العضوي غير كاف، وهو ما عكسه ترددهم على الجمعية رغبة في الدردشة وتفريغ ما يشعرون به من حزن وألم، خاصة أن المجتمع اليوم لا يزال ينظر إلى مرضى السرطان نظرة جانبية، ويتحاشون التعامل معهم، انطلاقا من هذا، تيقنا بأن المريض يبحث دائما عن بيئة تتوفر على مرضى أمثاله، وهو ما وجده في الجمعية، حيث لا يشعر المريض أنه وحده، وأن حالته قد تكون أحسن من حالة غيره، وهو ما تفطن له أعضاء الجمعية، وتم إدراجه ضمن برنامجها الذي أصبح يبنى على منهجية التكفل والمرافقة النفسية للمريض قبل كل شيء. ❊ فيم تتمثل البرامج المعتمدة للتكفل النفسي بالمريض؟ — من أنجح الأساليب العلاجية المعتمدة اليوم فيما يخص الأمراض المزمنة تحديدا؛ العلاجات الجماعية، حيث يتم تجميع المرضى في قاعة بشكل دائري، ويطلب المختص النفسي بعد الانتهاء من مرحلة التعارف بين المرضى، أن يقوم كل واحد منهم بسرد قصته مع المرض، مع الحديث عن كل المحطات التي شعر فيها بالألم والحزن، والتي يقوم طبعا المختص النفسي بتسجيلها لإدراجها في العملية العلاجية. ❊ من خلال تجربتكم، كيف كان التفاعل مع العلاجات الجماعية؟ — أثبتت العلاجات الجماعية نجاحها في دعم المرضى نفسيا، إلا أن الغريب في الأمر، كان في انحصار الإقبال على جلسات العلاج النفسي على المصابات بالمرض، بينما لاحظنا عزوف الرجال المرضى عن المشاركة، الأمر الذي دفعنا إلى البحث في الأسباب، خاصة بعد ما تبين لنا بأن المريضات اللواتي يشاركن بمجرد الانتهاء من الجلسة، يسارعن إلى الاستفسار عن موعد الجلسة الموالية، مما يعني أنهن شعرن بالارتياح، الأمر الذي يدعم العملية العلاجية، وهو ما يجب أن ينطبق على المرضى من الرجال. ❊ هل تعتقد بأن العلاجات الجماعية كافية لبلوغ جودة الحياة عند المرضى؟ — العلاجات الجماعية مهمة، لكنها تظل غير كافية، لأن المرضى يلتحقون بالجمعية ويجتمعون ببعضهم البعض في غرفة مغلقة، وهو ما جعلنا نعزز العلاج النفسي بالتفكير في أبعد من هذا، لرفع مستوى التكفل النفسي من خلال تسطير عدد من البرامج الترفيهية، ممثلة في خرجات سياحية إلى الحمامات والمناطق الأثرية والجبلية، حتى لا يشعروا بأن حياتهم انتهت، وأن العزلة والانطواء هو مصيرهم، وأكثر من هذا أدرجنا بعض التخصصات لفائدة النساء، لتعليمهن بعض الأشغال اليدوية التي تبعد عنهم التفكير في المرض، وبهذه الطريقة، تمكنت الجمعية من إحقاق نوع من التوازن بين العلاج العضوي المتمثل في دعم المرضى من حيث الدواء والعلاج الكيماوي وبين الجانب النفسي. ❊ في رأيك، هل هناك اهتمام بالتكفل النفسي للمرضى بالمؤسسات الاستشفائية؟ — التكفل النفسي ورغم أهميته، إلا أنه يكاد يكون غائبا في المؤسسات الاستشفائية التي تتكفل بعلاج المصابين بالسرطان، والدليل على ذلك، ما يتردد على ألسنة المرضى الذين يشتكون في الكثير من الأحيان من عدم تهيئتهم قبل الشروع في الجراحة أو العلاج الكيميائي، حيث وقفنا في أكثر من مرة، على تذمر المريضات اللواتي يؤكدن أنهن التحقن بالمصلحة للفحص، أو لأخذ جرعة الدواء، ليجدن أنفسهن مبرمجات لإجراء جراحة، كإزالة الثدي مثلا، الأمر الذي يصدم المرضى ويؤثر على حالتهم النفسية. بالمناسبة، نلفت انتباه المشرفين على القطاع الصحي إلى الاهتمام أكثر بالجانب النفسي لمرضى السرطان، بالنظر إلى أهميته في رفع معدل الاستجابة للعلاج. ❊ هل يمكن القول إن الجمعيات تغطي النقص المسجل بالمؤسسات الاستشفائية؟ — حقيقية، تحاول الحركات الجمعوية أن تساهم ولو بالقليل في التكفل بمرضى السرطان، لكن ينبغي الانتباه إلى أن التكفل لا يعني عرض المريض على مختص نفسي فقط، إنما يجب أن يكوّن المختص النفسي تكوينا جيدا، ومن هنا نوجه بالمناسبة، نداء إلى الأطباء المختصين للإشراف على تكوين المختصين في علم النفس لترقية التكفل بمرضى السرطان، وهو في اعتقادي، من مسؤوليات وزارة الصحة، من خلال تسطير تكوينات نوعية لتغطية التكفل النفسي بالمرضى عبر كل المؤسسات الاستشفائية التي تتكفل بهذه الفئة. ❊ كلمة أخيرة؟ — الجمعيات ومن خلال ما تبذله من جهد، تحولت إلى شريك أساسي في عملية التكفل بمرضى السرطان، وفي رأيي، آن الأوان للتنسيق بينها وبين المؤسسات الاستشفائية، لتمكين أكبر عدد من المرضى من الحصول على تكفل نوعي، خاصة بالنسبة للفئة التي تعيش أيامها الأخيرة.