لايختلف اثنان على أن لأفلام الكرتون أو الرسوم المتحركة أثر كبير على تكوين شخصية الطفل وسلوكياته، كما يظهر أثرها العميق في اكتسابه للمهارات اللغوية خصوصا إذ كان متابعا جديا للرسوم باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، لدرجة أن الآباء يعجزون أحيانا عن شرح مفهوم تلك الكلمة التي تعلمها الطفل ولايزال مصرا على فهم مضمونها خصوصا وأن الفضائيات الغربية نشطة في هذا المجال، وتقدم يوميا عشرات البرامج والأفلام الكرتونية التي تجذب الطفل بقوة وتجعله لايبتعد عن التلفزيون، إلا أن الأمر الذي يغفله الآباء أحيانا هو تأثر الطفل بثقافة الغير وتشبعه بها. "المحقق كونان"، "سلام دانك"، "هايدي"، "سندبال" سمبا"، "السنافر"، "سنان"، "سندريلا"، "سوار العسل"، "السيارة العجيبة"، "سوبر مان"، "السيف القاطع"، "سيف النار"، "تيلي تابيز"، "سنبل"، "ساموراي جاك"، "سلاحف النينجا"، سفينة الأصدقاء"، "الصبع المدهش"، "سانشيرو"، "سر المقنع"، "زهرة الجبل"، "سهم الفضاء"، "التنانين المرحة" رسوم متحركة جاءت في فترات زمنية مختلفة منها من فاق عمره الزمني ثلاثين سنة كاملة إلا أن تأثيره وسحره لايزال عالقا بأذهان عشاق الكارتون الكبار، فما بالك بالصغار الذين يقبعون لساعات طويلة أمام شاشات التلفزيون، سواء بترتيب من الأهل أو بطلب من الأم التي تشغل التلفزيون وتترك ابنها في رحاب ما جادت به الفضائيات العربية أو الغربية من مسلسلات كارتونية، أو تلبية لرغبة الطفل القاطعة في المتابعة والمشاهدة. هذه المسلسلات تضفي بظلالها وأثرها العميق على الطفل حسب تأكيد الأخصائين النفسانين فالرسوم المتحركة تلعب دورا فعالا وهاما في تطوير المهارات اللغوية للطفل مع تعلمه النطق السليم للحروف، خصوصا إذا كان الرسم مصحوبا بأغنية حانية تعلق بشفاه الصبي، حيث يزداد استيعابه للجوانب المعرفية ومنه زيادة نموه العقلي والقدرة على استيعاب الصورة. كما أن لأفلام الكرتون والرسوم المتحركة تأثير بالغ في وجدان الطفل، لأن الصورة المتحركة المصحوبة بالصوت في المراحل المبكرة للطفولة تتجاوب مع الوعي الحسي والحركي لدى الطفل، وتحدث استجابات معينة في إدراكه فتساهم في تشكيل وعيه وتصوره للأشياء من حوله، فيختزلها وتصبح رصيده الثقافي الوجداني والشعوري، فهي تتيح له إمكانية تمييز الشخصية عند سماع صوتها في الحوار دون مشاهدتها ومعرفة صاحب الصوت وجذب انتباه الطفل للأصوات وتنمية مهارة التركيز والانتباه لديه. وبما أن للآباء وجهة نظر خاصة في الموضوع تحدثنا إليهم واجتمعت آراء بعضهم على أن للرسوم جوانب إيجابية ملموسة تمثلت في تعلم الأبناء اللغة والنطق السليم للحروف، تقول ابتسام 36 سنة أم لطفلين "لقد عجبت من الحرص الشديد الذي يبديه ابني صاحب الأربع سنوات حيال متابعة الرسوم المتحركة، حيث يطلب قناته المفضلة ورسومه أيضا بالاسم، مما يجعلني حريصة على عدم تفويت وقت عرضها، وكم تدهشني متابعته وإعادته للعشرات من الكلمات بطريقة سليمة، جعلتني أحرص على متابعة الرسوم معه، إلا أنني أصر على متابعة جنيريك الرسوم لمعرفة بلد الإنتاج فهذا ضروري جدا بالنسبة لي. من جهته السيد يوسف 50 سنة، أب لأربعة أطفال لديه تجربة خاصة مع الرسوم المتحركة يقول "لطالما تركت ابني الأصغر صاحب الأربع سنوات يتابع الرسوم المتحركة الناطقة باللغة الفرنسية، وقد اكتسب مهارات لغوية مدهشة جعلته ينطق الكلمات وحتى الجمل بسلاسة حسدني عليها القريب قبل البعيد، لكن المشكل العويص الذي صادفته هو سؤال ابني لي عند قدوم عيد الميلاد "هل سيحضر إلى هنا بابا نوال؟ وهل سيحضر لي الهدايا؟ صراحة لقد وجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه، وحاولت أن أوضح له وهو ابن الأربع سنوات أننا مسلمون وأننا لا ننتظر الهدايا من البابا نوال" أما حياة 30 سنة فتقول إن أفلام الكارتون قد ساعدتها في صغرها في نطقها السليم لحرف الراء تقول: "لقد تعبت والدتي في محاولة فاشلة لتلقيني عملية نطق حرف الراء، لكن ولعي وشغفي بالرسوم المتحركة وبالضبط إحدى الأغنيات التي كانت مصاحبة للمسلسل الكارتوني ومع ترديدي لها في كل مرة استطعت أن انطق الحرف الصعب بكل سلاسة". أما رضا طفل في الابتدائي(6 سنوات) فهو متأثر جدا بالشخصيات الكارتونية التي يشاهدها، وأكثر ما يضحكه مغامرات توم وجيري، يقول"أحب الرسوم المتحركة كثيرا، فقد علمتني التفريق بين الخير والشر، كما أنني تعلمت من خلالها مهارات قتالية للدفاع عن نفسي من الأشرار، وتعلمت كلمات كنت أجهلها، فمعلمتي تشهد لي بطلاقتي في اللغة العربية، فقد تعلمت التعبير من الرسومات، وكم أحب المراوغات التي تحدث بين القط والفأر توم وجيري، إنها فضاء خصب للضحك". الوجه الآخر وقد أكد لنا أخصائيون نفسانيون واجتماعيون أن للرسوم المتحركة سلبياتها رغم الإيجابية الهامة التي تكتسي بها حيال اكتساب المهارات اللغوية والنطق السليم والقيم الخيرة التي تكتسيها من خلال صراع الخير والشر وتفوق الخير دوما، إلا أنها تحمل في طياتها حضارة شعوب أخرى وتعكس قيمهم أيضا، فهي موجهة لأبنائهم للحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم ونمط عيشهم، لكن بالنسبة لنا كمجتمعات عربية مسلمة فهي بعيدة كل البعد عنا، وبالتالي فهي تؤدي إلى إضعاف عملية نقل الأفكار والقيم الثقافية من الآباء إلى الأبناء، كما شددت الأستاذة (ربيعة.ع) على ضرورة جلوس الأم إلى جانب الأبناء أثناء المشاهدة للقيام بعملية الفلترة والمراقبة مع اختيار الرسوم المتماشية مع عقيدتنا وقيمنا، على أن لا تزيد فترة مشاهدة أفلام الكارتون عن 5 ساعات أسبوعيا لحماية بصر الطفل وحمايته من السمنة المفرطة بسبب قلة الحركة والأكل أمام التلفزيون.