* email * facebook * twitter * linkedin دشنت السلطة المستقلة للانتخابات أمس، أولى مهامها الرقابية، من خلال الإشراف على عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية التي تمتد من 22 سبتمبر إلى 6 أكتوبر القادم، وتجري لأول مرة في تاريخ الجزائر بعيدا عن وصاية الإدارة وتحت إشراف السلطة المستقلة للانتخابات، التي جاءت كباكورة لمطالب الحراك الشعبي، لتكون بالتالي هذه المرحلة أولى المحطات الأساسية لضمان مصداقية وشفافية الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر القادم. فبعد سنوات من العمليات الروتينية التي كانت تطبع مراجعة القوائم الانتخابية، عشية كل استحقاق انتخابي رئاسي أو تشريعي أو محلي، وما صاحبها من تعابير التشكيك في مصداقية العملية لاسيما من قبل التشكيلات السياسية، تجري هذه المرة مراجعة القوائم الانتخابية التي ترتكز عليها العملية الانتخابية ككل، في ظروف مغايرة تماما، بعد سحب البساط من يد وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة الإقليمية، ومنح الصلاحيات الواسعة للسلطة المستقلة للانتخابات التي تشرف على العملية الانتخابية برمتها، من بدايتها التي تكون بمراجعة القوائم إلى استقبال الملفات الخاصة بالمترشحين، ثم مراقبة مراكز الاقتراع وتعيين المراقبين على المستوى البلدي والولائي إلى الإعلان عن النتائج الأولية، قبل منح صلاحية الإعلان النهائي عن النتائج الانتخابية للمجلس الدستوري. وأمام هذه الصلاحيات الواسعة لسلطة الانتخابات، ينتظر أن ترافق عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية بإقبال مميز للهيئة الناخبة على المراكز البلدية، من أجل المشاركة في الاستحقاق الرئاسي يوم 12 ديسمبر القادم. وتعد عملية مراجعة القوائم الانتخابية، التي دشنت أمس، الأحد وتتواصل حتى 6 أكتوبر المقبل، على مستوى المراكز البلدية، أول امتحان للسلطة المستقلة للانتخابات، كون هذه القوائم الانتخابية هي الأساس ومربط الفرس في المراقبة البعدية لأصوات الناخبين ومنع أي تضخيم للسجل الانتخابي، حيث يتجسد ذلك من خلال إشراف أعوان السلطة الموزعين على المستوى المحلي، على عملية التطهير التي تمس القوائم من خلال غربلة جميع الوفيات والتسجيلات المتكررة، لاسيما منها التي تخص الذين قاموا بتغيير مقر سكناهم، وكذا المجندين في بعض الأسلاك النظامية، وذلك بشكل يسمح لاحقا بعدم تضخيم القوائم الانتخابية التي طالما كانت محل انتقاد من قبل الأحزاب السياسية المعارضة وكذا المراقبين. ودعت السلطة المستقلة للانتخابات بمناسبة انطلاق عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم، المواطنين إلى التقرب من مراكز التسجيل البلدية وتسجيل أنفسهم في السجل الانتخابي بمقرات إقامتهم، استعدادا لاستحقاق 12 ديسمبر القادم، مشيرة إلى أن هذه اللجان البلدية تعمل تحت إشراف السلطة الواسعة الصلاحيات. كما دعت في نفس السياق الناخبات والناخبين الذين غيروا مقر إقامتهم للتقرب من اللجنة البلدية لمقر الإقامة الجديدة من أجل إعادة تسجيلهم، مع وجوب إرفاق طلب التسجيل بوثيقة تثبت هوية المعني وأخرى تثبت إقامته. وتبقى مراكز التسجيل مفتوحة طيلة أيام الأسبوع ماعدا يوم الجمعة، من التاسعة صباحا إلى غاية الرابعة والنصف زوالا، في حين يتعين أيضا على المواطنات والمواطنين المقيمين في الخارج التقرب من الممثليات الدبلوماسية أو القنصلية لتسجيل أنفسهم وفقا لنفس الإجراءات. وتعد السلطة المستقلة للانتخابات هيئة عليا كاملة الصلاحيات، بحكم أنها تجمع مهام ثلاث وزارات، هي الداخلية والجماعات المحلية والعدل ووزارة الخارجية، فضلا عن اضطلاعها أيضا ببعض مهام المجلس الدستوري، وهي المهام التي جاءت كثمرة للاقتراحات العديدة التي قدمتها الشخصيات الوطنية والأحزاب والمجتمع المدني في جلسات الحوار التي أدارتها هيئة الحوار والوساطة التي استضافت أكثر من 5700 ممثل عن التشكيلات السالفة الذكر من جميع ربوع الوطن. وتأتي عملية مراجعة القوائم الانتخابية، تطبيقا للمرسوم المتضمن استدعاء الهيئة الناخبة لانتخاب رئيس الجمهورية، الموقع عليه من قبل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح يوم الأحد الماضي، حيث دعا بن صالح المواطنين إلى جعل هذا الموعد نقطة انطلاق لمسار تجديد الدولة والعمل جماعيا وبقوة لأجل إنجاح هذا الاستحقاق، كونه سيمكن الشعب من انتخاب رئيس جديد يتمتع بكامل شروط الشرعية ويأخذ على عاتقه قيادة مصير البلاد وترجمة تطلعات الشعب، داعيا إلى تغليب المصلحة العليا للأمة على كل الاعتبارات ضمانا لمستقبل البلاد واستقرارها. وتتزامن عملية مراجعة القوائم الانتخابية مع تصاعد أسهم الراغبين في دخول المنافسة الرئاسية، حيث أعلن 22 شخصا عن رغبته في نية الترشح، منهم رؤساء أحزاب وشخصيات ومواطنين لم يسبق لهم أن خاضوا غمار السياسة، وذلك في ظل التسهيلات الجديدة التي تضمنها القانون العضوي الناظم للانتخابات في نسخته المعدلة، التي أسقطت شرط جمع 600 توقيع من منتخبين، وقلصت عدد توقيعات المواطنين المطلوبة في استمارات الترشح إلى 50 ألف توقيع بدلا من 60 ألف توقيع، يتم جمعها عبر 25 ولاية، شريطة ألا يقل عددها عن 1200 توقيع بالنسبة لكل ولاية. وإن كانت التعديلات المتعلقة بالجوانب التقنية، قد أزالت العراقيل الإدارية أمام المترشحين، فإن فرض شروط معنوية منها اشتراط حصول المترشح على المستوى الجامعي أو حصوله على شهادات مهنية وكفاءات معادلة، يسهم من جهته في وضع غربلة قبلية لطبيعة الراغبين في اعتلاء أعلى منصب في الدولة، بما يضفي مصداقية أكبر على الحدث الانتخابي من جهة، ويعزز ثقة الشعب في هذه الآلية الديمقراطية من جهة أخرى. ويبدو أن السلطة المستقلة للانتخابات والضمانات الكثيرة التي تمنحها للانتخابات، لم تقنع بعض المعارضين الذين اتهموها بالعمل تحت وصاية رئاسة الحكومة وعقدها للقاءات بمقرها، حيث نفت السلطة أمس، "حيازتها لأي فضاء داخل قصر الحكومة وأكدت أنها لا تملك أي مقر آخر غير الذي تشغله في قصر الأمم". وعلى العموم، فإن كل الأنظار تبقى موجهة نحو السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تخوض أول تجربة تجمع بين الإشراف والتأطير والتنظيم والمراقبة للعملية الانتخابية، من أجل بناء جزائر جديدة تنهي عهد الممارسات المغشوشة والتجاوزات التي ميزت المرحلة الماضية، وتضعها في مصاف الدول المتقدمة تكريسا للديمقراطية وتتويجا لنضال الشعب الذي صنع حراكا سلميا أبهر العالم أجمع.