أعيد أوّل أمس، بقاعة "الموقار" عرض مسرحية "العائد" لتعاونية "الخشبة الزرقاء" لمستغانم وذلك في إطار العدد التاسع لنادي المسرح الذي يشرف على تنظيمه الديوان الوطني للثقافة والإعلام، بحضور مخرج العمل لعروسي ميسوم. قصة المسرحية تتناول موضوعا قديما حديثا يخوض في حيثيات مشاركة الجزائريين في الحرب العالمية الثانية إلى جانب فرنسا ضدّ النازية، وذلك من خلال شخصيتين تمثّلان الجزائريين الذين جنّدوا إجباريا لخوض حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ليوضعوا في الصفوف الأمامية حماية للجنود الفرنسيين الذين يتخلّفون إلى الوراء تاركين الجزائريين أمام فوهات الرشاشات النازية، ويلتقي محمد وعثمان صدفة داخل كنيسة بعد أن فرا من معركة طاحنة حيث كاد أحدهما يقتل الآخر، ليكتشف كلّ منهما أنّ الآخر من بني جلدته. ومن هنا تبدأ الحكاية التي تكشف بين طياتها الظلم والمعاناة التي عاشها هؤلاء الجنود فعثمان يطلب من صديقه أن يعودا إلى الثكنة من أجل مداواة جرحه لكن محمد يصرّ على البقاء ظّنا منه أنّ ممرضات الصليب الأحمر سيأتين لنجدتهما، وهي السذاجة التي تضحك عثمان ويحاول بنفسه انتزاع الرصاص التي سكنت قدم رفيقه، وخلال ذلك يجري حوار بين الشخصيتين يقترب من خلاله الجمهور من الحرمان الذي عاشه هؤلاء والشوق إلى الوطن وإلى الأهل والأبناء، وبعد استخراج الرصاصة يكتشف الرفيقان أنّها رصاصة غادرة من سلاح فرنسي وليس نازيا ليتساءل محمد - المتحمّس للحرب-" لماذا نحارب إلى جانبهم؟؟"، وبعد أن يقرّر الرفيقان أخيرا العودة إلى الثكنة بعد تحسّن حالة محمد يسمع إطلاق نار ويسقط عثمان قتيلا أمام عيني رفيقه لتتبدّد أحلامه في رؤية أبنائه الثلاث وزوجته من جديد. العمل بسيط جدا من حيث السينوغرافيا، لكنه راق من حيث الموسيقى التي أبدعها رشيد حميداش، وسط حوار ينزلق بين الحين والآخر في الخطابية والتلقين، كما أنّ المسرحية التي كتب نصها عبد الرحمان رحمون وأخرجها للركح ميسوم لعروسي وأدى أدوارها كلّ من رشيد ومحمد سبات سلّطت الضوء على بعض العناصر وأهملت أخرى كثيرة. وفي هذا الإطار، أشار المخرج إلى أن السبب يعود إلى تقليص عدد الشخصيات والحوار لظروف مالية، مضيفا أنّ نصّ المسرحية كتب أوّل مرة في 1992، وقدمت سنة 1996 بدار الثقافة لتمنراست، ثم أعيد عرضها في 1998 بمستغانم، ليعاد اقتباسها في 2003 في إطار "سنة الجزائر في فرنسا" حيث عرضت في فرنسا شهري مارس وأكتوبر أي قبل التوقيع على قانون تمجيد الاستعمار، ولقيت -يقول المخرج - اهتماما ملحوظا من طرف الفرنسيين، وفي 2007 أعيد إنتاجها بشخصيات إضافية وكتابة جديدة في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" وقامت بجولة قادتها إلى مختلف ولايات الوطن، كما شاركت في مهرجان مكناس والدار البيضاء للمسرح بالمغرب الشقيق. أمّا عن الهدف أوالرسالة التي تسعى المسرحية لتمريرها فيلخّصها المخرج في نبذ الحرب والمطالبة بالسلم والسلام العالمي وحرية الإنسان في التمتع بحياته، مشيرا إلى أنّ عنوان المسرحية "العائد" تعني تلك الحروب التي تعود كلّ مرّة للقضاء على الإنسان وإنسانيته.