استمتع جمهور المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي و على مدار ثلاثة أيام بالعرض المسرحي المميز " العائد" الذي أنتجته فرقة مسرح الخشبة الزرقاء لمستغانم عن نص وسينوغرافيا حليم رحموني فيما حرك العمل ركحيا الثنائي رشيد جرورو و محمد سبات، وأنجز التقنية و الأضواء بلعجين نورالدين فيما صمم الإخراج ميسوم لعروسي. وعلى مدار الساعة و النصف من الزمن المسرحي و بلغة شعبية غائرة نلج مع الثنائي بشير ومنصور إلى أجواء الحرب العالمية الثانية، حيث ينخرط الجزائريان رغما عنهما للدفاع عن فرنسا ضد النازية، وتضح معالم الشخصيتان ومواقفهما اتجاه الحرب وآلامها في مواقف نفسية متباينة ومختلفة تماما واحدة عن الأخرى. وتستمد أحداث مسرحية " العائد" التي تعرض منذ 1996 إلى اليوم ورغم مرور 13 سنة غير أن أحداثها لاتزال صالحة و تعكس الكثير من الحقائق في العالم من الواقع ومن أحداث حقيقية التي افرزها التاريخ في مرحلة معية من التاريخ. وبتقنية الفلاش باك يسترجع الثنائي الماضي بكل ما يحمله من أحلام وألآم وما يختزنه الماضي من ذكريات . وحول دوره في العمل يؤكد الممثل رشيد جرورو الذي يؤدي دور منصور انه لبس النص جيدا وتقمص الحالة النفسية للجندي المجبر على محاربة النازية رغما عنه نيابة عن ابن القايد غالى رفض والده أن يبعث به إلى ميدان المعركة، مضيفا انه تم اقتحامه وإجباره للمعركة ، وقد سرقوا بذلك حلمه بالزواج بمن يحب وهي سعدية التي يرحل عنها ليلة العرس ليتركها وحيدة. وفي مواجهته للحرب تحول إلى اله دموية انتقاما من الواقع الذي فرض عليه وخلال المعركة يلتقي بالبشير الشخصية التي يؤديها محمد سبات وهو الهارب من الحرب ومن ويلاتها ، ويثوق العودة إلى زوجته وأبنائه. ويدخل الثنائي في صراع عن القيم في حوارية، لماذا الحرب ؟ فبينما يؤكد منصور على صيرورة القوة للبقاء والقتل منن أجل الحفاظ على حياته ، يرى البشير لا ضرورة للحرب، بل السلم هو الحل ن قائلا له بلغة شعبية " الحرب ليس خاصة بنا"، وبعد اخذ ورد وخلال إحدى المعارك يصاب منصور برصاصة طائشة يكتشف بعدها أنها من الجانب الفرنسي وليس من الجانب الألماني وهو ما يؤكد له أن فرنسا لا آمان فيها والمحاربة من اجلها مجرد تضيع للوقت ، ويقرر بعدها العودة إلى الوطن فيسترجع ذكرياته والكف عن الدماء التي تسيل مجانا، ويربط صداقة متينة بين البشير الذي يصاب في آخر المسرحية برصاصة تودي بحياته لكنه قبل آن يفارق الحياة يطلب وهو يحتضر من صديقه البشير أن يتكفل بأبنائه والزواج من العالية. تحمل المسرحية التي تمازجت فيها الكوميديا بالتراجيديا وعلى إيقاع جمالية اللوحات الكوريغرافية والفولكلورية والموسيقى الكلاسيكية إلى أ جواء الأربعينيات من القرن الماضي، الكثير من الدلالات و الأسئلة الراهنة التي تطرح على الإنسان لأنه كمال يقال " التاريخ يكرر ذاته دوما".