* email * facebook * twitter * linkedin توجد الجزائر في وضعية تنذر بنمو اقتصاد رقمي مواز يمكنه أن يتحول إلى مشكلة حقيقية مثلما حدث مع السوق السوداء التقليدية، في حال لم يتم التصرف مع الظواهر الاقتصادية الافتراضية الجديدة "بذكاء"، وإجراء تحيين مستمر للإطار القانوني الذي يحكم هذه الممارسات التجارية ضمانا لإدخالها في الاقتصاد الرسمي وحماية لحقوق المستهلك، والاستفادة منها بطريقة صحيحة. ويتطلب الأمر الاستعانة بالخبرات الأجنبية التي تطورت كثيرا في ممارسات ضبط المنافسة في مجال الاقتصاد الرقمي، خاصة ما تعلق بقضايا الاحتكار والاندماج بين الشركات. وهو ما أكد عليه خبراء جزائريون وأجانب شاركوا أمس، في اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس المنافسة بالجزائر العاصمة، والذي طرح "إشكالية المنافسة في سياق الاقتصاد الرقمي". بالمناسبة أكد رئيس المجلس عمارة زيتوني، على ضرورة "تحيين القوانين السارية المفعول حاليا"، تماشيا مع التطورات الحاصلة في مجال الاقتصاد الرقمي. وقال في تصريحات صحفية هامشية إن "هناك ثلاثة قوانين ينبغي تحيينها وهي قانون المنافسة وقانون حماية المستهلك وقانون حماية المعطيات، بالتشاور مع دول أخرى لها تجربة في مواجهة هذه الظواهر الجديدة في المجال الاقتصادي". فالقوانين موجودة لكنها غير مكيفة مع التغيرات السريعة التي مست الاقتصاد العالمي حسب توضيحات زيتوني الذي أكد أن تنظيم هذا اليوم الدراسي ال13 ضمن البرنامج التحسيسي للمجلس في مجالات المنافسة، يهدف بالأساس إلى شد انتباه السلطات العمومية إلى الرهانات التي يطرحها الاقتصاد الرقمي، "والذي يمكن أن يؤثر سلبا على المجتمع والدولة، لا سيما إذا مس بالأمن القومي وبالمعلومات الشخصية وبالمنافسة بين المؤسسات". وأشار المتدخل إلى أن "4 شركات عالمية تتحكم اليوم في الاقتصاد العالمي وهي ما يعرف اختصارا ب(غافا)، حيث تجاوزت قوتها حسبه القوة التي كانت تمتلكها الشركات البترولية والغازية، لتتحول إلى شركات مسيطرة ومتحكمة في العالم وفي القوانين، واخترقت كل قواعد المنافسة وحماية المستهلك"، داعيا في هذا السياق كل الدول سواء منفردة أو بصفة جماعية إلى العمل على إيجاد الوسائل التي تمكنها من مواجهة هذه الظاهرة. وإذ ذكر بأن الجزائر ذات الاقتصاد المفتوح، معرضة هي الأخرى لمواجهة مثل هذه الإشكالات لفت زيتوني، إلى أن السوق الوطنية "غير محمية" في الوقت الراهن، مبرزا أهمية اليوم الدراسي الذي جاء "منبها" للسلطات بضرورة العمل ضمن التعاون الجهوي والدولي للتكفل بهذه التغيرات الاقتصادية. في نفس السياق قال الخبير في الاتصالات يونس قرار، في تصريح ل«المساء" إنه "لا بد من تحيين الإطار القانوني وتطبيقه في أرض الواقع، مثلما هو الحال بالنسبة لقانون التجارة الإلكترونية الذي صدر منذ أكثر من عام"، متسائلا إن كان ذلك سيتم بالذهاب نحو منع هذا النوع من النشاطات وترك الأمور تتطور خارج الإطار الرسمي؟ أم يتم التعامل مع هذا الواقع بذكاء؟ قبل أن يستنتج بأن "الأجدر التكيف مع هذه التطورات والاستفادة منها لتحقيق مداخيل للدولة، لا سيما وأنها تسمح بخلق مناصب عمل"، حيث ذكر في هذا الصدد بأن "هناك أناس يبيعون سلعا عبر صفحات "الفايسبوك"، وهناك من يصنعون منتجات في ورشات خاصة ويبيعونها عبر هذا الفضاء أيضا..". وأضاف محدثنا أن "خدمات سيارات الأجرة عبر الانترنت، مثلا لم تكن موجودة، والمعروف عادة أن مثل هذه الخدمات تتطلب إنشاء شركة بسجل تجاري وسيارات وموظفين وسائقين، لكن كل هذا غير موجود في الاقتصاد الرقمي، حيث لا يقوم المعنيون بمثل هذه الخدمات الرقمية سوى بخلق أرضية افتراضية تربط بين صاحب السيارة والراغب في التنقل من مكان لآخر، مقابل نسبة من المعاملات. وفي حين أكد إمكانية تعميم هذه الخدمات على جميع الممارسات التجارية الأخرى، اعتبر قرار، الفايسبوك أكبر مؤسسة لصناعة المحتوى في العالم "لكنها لا تملك لا رئيس تحرير ولا صحفيين"، فيما يعتبر "اليوتيوب" برأيه "أكبر شركة سمعية بصرية في العالم، "دون استوديوهات ولا مصورين"، ليخلص في هذا الإطار إلى أنه لا يمكننا وقف عجلة التطور والأجدر التعامل مع هذه المتغيرات بذكاء". على صعيد آخر أكد رئيس مجلس المنافسة، أن هذا الأخير لم يتلق أية شكاوى لحد الآن ذات علاقة بالاقتصاد الرقمي، فيما تحدث عضو المجلس جيلالي سليمان، عن تسجيل قضيتين اثنتين الأولى رفعتها جمعية حماية المستهلك ضد "اتصالات الجزائر"، لاحتكارها سوق الانترنت عبر الهاتف وقيامها بتحديد الأسعار بدل تركها للسوق. والثانية رفعتها شركة "جازي" ضد "موبيليس" هي "قيد الدراسة"، مسجلا في سياق متصل، عملية اندماج بين شركتين ناشئتين في مجال توصيل الوجبات الغذائية ستتم مستقبلا لأول مرة في الجزائر. وتحدث المتدخل عن شكاوى لم توجه إلى المجلس لكن تم الحديث عنها في الإعلام، تخص أصحاب سيارات الأجرة الذين تطرقوا إلى ما وصفوه بالمنافسة غير الشريفة التي يواجهونها بسبب خدمات "الطاكسي" المقدمة عبر الانترنت، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة بصفة لافتة. هي كلها أمور تستدعي الدراسة والنظر في كيفية مواجهتها في إطار قانوني مناسب وبتعزيز دور مجلس المنافسة، حسب نائب رئيس سلطة المنافسة الفرنسية هنري بيفو، الذي أشار في مداخلة حول "قانون المنافسة والرقمنة في أوروبا"، إلى أن سلطة الضبط "تحتاج إلى إمكانيات بشرية من أجل إجراء تحقيقاتها بشأن المساس بقواعد المنافسة، مضيفا بأن الوصول إلى الحقيقة يتطلب توفر معلومات وموارد بشرية متخصصة في الاقتصاد الرقمي. كما تطرق المتدخل إلى التجارب الأوروبية الهامة في مواجهة المنافسة غير الشرعية في التجارة الرقمية، منبها إلى أن الإجراءات التي تتخذ في هذا السياق، لا يجب أن تكون معرقلة لعمل الأرضيات الرقمية، التي تقدم، خدمات هامة للمستهلكين.