لم تدم مشاورات رئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز لأكثر من يومين ليعلن أمس عن اختياره لشخص زعيم الليكود اليميني المتطرف بنيامين نتانياهو ليكون وزيره الأول القادم خلفا لايهود اولمرت المقال. وكلف شمعون بيريز أمس نتانياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة اعتمادا على نتائج الانتخابات العامة المسبقة التي جرت في العاشر من الشهر الجاري وبعد فشله في إقناع هذا الأخير وزعيمة حزب "كاديما" تسيبي ليفني بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وحسم شمعون بيريز بذلك الصراع الذي نشب بين زعيمي الحزبين حول من يحق له قيادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة ولكن رئيس الكيان الإسرائيلي اختار الثاني رغم أن الأولى فازت بنتيجة الانتخابات بفارق مقعد واحد (28 مقابل 27). ولكن الأحزاب اليمينية المتطرفة فرضت منطقها هذه المرة على الخارطة السياسية الإسرائيلية وأخذت بزمام الحكومة القادمة. وكان فوز حزبا إسرائيل بيتنا الذي يقوده المتطرف الصهيوني افيغدور ليبرمان وحزب "ساش" الديني المتطرف بمثابة الثقل الذي رجح كفة نتانياهو في اعين بيريز الذي كان يفضل ان يقود حزبه كاديما الحكومة المقبلة ولكنها رغبة اصطدمت بالتكتل الذي شكلته الأحزاب الثلاثة السالفة الذكر والتي تمكنت من إفشال حلم تسيبي ليفني وكسر طموحها الجامح لأن تكون المرأة الثانية التي تقود الحكومة الإسرائيلية بعد غولدا مايير. وأصيبت ليفني بصدمة وخيبة أمل لم تكن تتوقعها وهو ما جعلها ترفض كل فكرة لدخول حكومة يمينية متطرفة يقودها خصمها نتانياهو. وقد حاول الرئيس الإسرائيلي أمس إقناعها بتشكيل حكومة وحدة وطنية يقودها نتانياهو وتكون هي فيها بمثابة الشخصية الثانية من حيث الأهمية ولكنها رفضت المقترح بعد أن شعرت أنها ستذوب في الأفكار التي ستفرضها أحزاب اليمين المتطرف على طروحات حزبها المصنف في إطار أحزاب الوسط. ولم يجد الرئيس الإسرائيلي بدَّا من الأخذ بورقة أحزاب اليمين المتطرف تفاديا للدخول في أزمة سياسية جديدة والدعوة مرة أخرى إلى انتخابات عامة مسبقة أخرى. وستكون أمام نتانياهو مدة 28 يوما لتشكيل حكومته الجديدة وهي مهمة تبدو سهلة بالنظر إلى حيازة تكتله على أغلبية مريحة داخل الكينيست بمجموع 65 مقعدا من أصل 120 مقعد نيابي وتجعله في منأى عن أية هزات سياسية قادمة وخاصة وان مواقف الليكود بخصوص العديد من القضايا ذات الصلة بعملية السلام والتفاوض مع الفلسطينيين ومصير القدسالمحتلة واللاجئين تتطابق جميعها مع أحزاب إسرائيل بيتنا وحزب "شاس" الديني المتطرف على عكس حزب "كاديما" الذي يأخذ بالمفاوضات ولكن وفق المنظور الذي يخدم إسرائيل. وقالت ليفني بحدة ملاحظة في لهجتها أمس تعليقا على الحكومة القادمة أن الأمور واضحة فهي تفتقد لأي نظرة سياسية مما يجعلها دون أية قيمة وأكدت أنها "لن تزكي سياستها". وكانت ليفني تشير إلى مستقبل العمل السياسي لهذه الحكومة وأكدت أن حزبها يؤيد فكرة حل سلمي مع الفلسطينيين يقوم على فكرة الدولتين، واتهمت نتانياهو بمعارضة هذه الفكرة بعد أن قبل بانضمام الأحزاب اليمينية إلى حكومته. وكانت ليفني طالبت بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع الليكود تتداول رئاستها دوريا مع نتناياهو ولكن هذا الأخير رفض المقترح. وهو ما يدفع إلى طرح سؤال محوري حول مصير مسار السلام بعد وصول نتانياهو إلى سدة رئاسة الحكومة في إدارة الاحتلال؟ وإذا كانت هذه العملية قد دخلت منذ سنوات غرفة الإنعاش الذي يسبق الموت الحتمي فإن الكثير من المتتبعين أكدوا أن وصول الليكود إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية سيؤدي إلى قبر كل العملية وتصفيتها بالنظر إلى مواقفه ومواقف الأحزاب الأخرى المتطرفة التي قبلت الدخول معه في حكومته. بل أن نتانياهو لم يخف قناعاته القديمة المتجددة بخصوص هذه المسائل وأبدى معارضة صريحة لاتفاقات السلام الموقعة في اوسلو والتي عمل على إفشالها بمجرد وصوله الى السلطة في إسرائيل سنة 1996 بعد أن انتهج سياسة استيطان غير مسبوقة في أراضي الضفة الغربيةوالقدس الشريف. وسارع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التأكيد في أول رد فعل على هذا التعيين انه لن يتعامل مع حكومة اليمين المتطرف إذا تنصلت من مسوؤلياتها لتحقيق السلام في المنطقة. وقال نبيل ابو ردينة الناطق باسم الرئيس الفلسطيني "أننا لن نتعامل مع الحكومة الإسرائيلية إلا في حال قبلت بتسوية سلمية تقوم على مبدأ الدولتين وأوقفت الاستيطان واحترام كل الاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين. وأكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس من جهتها أن إسرائيل اختارت قياديا من أكبر المتطرفين. وقال فوزي برهوم الناطق باسمها أننا نتوجه إلى تطرف أكبر والأخطر على الإطلاق في المنطقة. وقال أن هذا التعيين لن يؤدي إلى تحقيق سلام واستقرار في كل منطقة الشرق الأوسط. للإشارة أن نتانياهو وجه عن قصد في أول تصريح يدلي به بعد تعيينه تهديدا واضحا باتجاه إيران وقال أن إدارة الاحتلال تواجه عدة تحديات داخلية وخارجية واضعا على رأسها زعمه بسعي إيران إلى امتلاك أسلحة نووية وهو ما يهدد الأمن الإسرائيلي. وهو تصريح كاف للحكم على التوجهات القادمة لحكومة ضمت في صفوفها كل المتطرفين رغم أن فكرة التطرف فقدت كل معنى لها عندما يتعلق الأمر بالأحزاب الإسرائيلية.