* email * facebook * twitter * linkedin يشتاق جمع من الجمهور الجزائري إلى سيدات الفن الجميل، اللواتي كن رفيقات العائلات في السهرات الرمضانية لمدة عقود، واستطعن بفنهن الراقي، أن يرسخن ذكراهن في مخيلة الجزائريين الذين يتذكرونهن في مثل هذه الأيام العجاف، التي هبطت فيها الأعمال ولم تعد تملأ القعدات الجزائرية. ومن بين الذين تذكروا أيام عز الفن الجزائري، الممثل والمنشط المعروف مراد زيروني، وهو ينجز بعض أعماله الفنية بالإذاعة الجزائرية في زمن الحجر، ليؤكد أن موسم رمضان يشتاق لتلك السيدات الأمهات الجزائريات بامتياز، مشيرا إلى السيدات؛ نورية وصابونجي ولالا عيني. يتحسر السيد زيروني وهو يذكر ذلك الزمن الجميل، علما أنه تتلمذ في بداياته على يد بعض هؤلاء الذين تميزوا بالكفاءة والموهبة والغيرة على الثقافة والأصالة الجزائرية، التي تظهر في مثل هذه السهرات الرمضانية، وتجمع العائلة الجزائرية والمغاربية عموما، فصيتهم كان يمتد إلى جيرانهم الذين لم يكونوا أقل عشقا لهم. لم تكن العائلات الجزائرية في سهرات رمضان تأبه بالمستورد، ولا بأية أعمال تشترى من هنا أو هناك مهما كانت نجومه، حتى من هم يحتكرون الصف الأول، وكل ما كان يعنيها أن تلتقي بنجومها الجزائريين، سواء على التلفزيون الجزائري أو على أمواج الإذاعة بقناتيها الأولى والثانية. بعيدا عن الاستسهال والتقليد الأعمى والاستخفاف بالمشاهد الجزائري، كان يقدم الغث السمين بتكاليف متواضعة، حبا للفن والجمهور، فتبث أجمل المسرحيات والسكاتشات والأفلام والمسلسلات التلفزيونية العاكسة بصدق ليوميات الجزائريين، خاصة الرمضانية منها بلغة جزائرية، معبرة وذات حبكة لا خلل ولا فراغ فيها، ناهيك عن أداء الممثلين رجالا وسيدات وحتى الأطفال منهم. تذكر زيروني بعضا من هؤلاء، وفي مقدمتهم السيدة نورية قصدرلي، التي أبدعت في رمضانياتها بكل أجزائها، وكانت الأم العجوز المشاغبة التي "يغلبها الصيام"، ومع نرفزتها، إلا أنها تبقى تمثل المثل العليا والأخلاق الجزائرية وخدمة الجيران، خاصة النساء والمحتاجين في عفويتها وفي كوميديا لم تتكرر بعدها، فمن منا لا يتذكر "خالتي الجوهر" ابنة القصبة، وهي تخطو في زنيقات هذا الحي العتيق مرتدية الحايك، تحاول أن تسبق يومياتها الرمضانية، سواء في السوق أو في دار الجيران أو غيرها، وكان معها رفيق فنها وحياتها قصدرلي، في ثنائي راق، حيث كان هو يمثل العقل الرسين، وهي تمثل العصبية والطيبة، كما توجد أدوار أخرى لهذه الفنانة القديرة ارتبطت برمضان. الاسم الثاني الذي تذكره زيروني، كما الكثير من الجزائريين، كان السيدة فريدة صابونجي، النجمة الساطعة في سماء الفن، رافقت الميكروفون والاستوديوهات والخشبة والكاميرا، كانت تطل كل رمضان بوجهها البهي الذي أحبه الجزائريون، رغم غطرستها وكبريائها المفرط. كانت الأعمال الهزلية التلفزيونية التي تتناول المجتمع الجزائري تغريها كثيرا، خاصة في السهرات الرمضانية، لذلك وافق المعنيون على هذه الأدوار وأسندوها لها، وغالبا ما كانت تؤدي دور السيدة العاصمية الحضرية أو دور الحماة المتسلطة، وأقنعت الجمهور بهذه الأدوار، إلى أن التصقت بها. شخصية ثالثة لا تقل حضورا، وهي السيدة شافية بوذراع، التي قدمت الكثير من الأعمال التلفزيونية الرائعة، خاصة في دور الأم والزوجة، وكانت بارعة في ذلك، خاصة مع رويشد أو محمد حلمي، وكانت الأفلام أو المسلسلات تعكس أدق التفاصيل الرمضانية في قالب هزلي راق وهادف، بعيدا عن التصنع والابتذال والسطحية. إذا كان زميلنا زيروني ذكر تلك الأهرامات، فإن القائمة طويلة من جيل العظماء الذين تعطرت بهم القعدات، منهم وردية وفتيحة بربار وكلثوم ومحمد ونيش وحلمي وبوبقرة وغيرهم كثيرون، ناهيك عن أعمال أخرى كانت في القمة، واحتضنها الجزائريون كل رمضان، منها "أعصاب وأوتار" لمحطة قسنطينة، وقد شهدت "المساء" منذ سنوات، وهي تغطي حفل تكريم فناني هذه السلسلة، كيف أن شارع ديدوش مراد أقفل من زحام العائلات العاصمية الوافدة لتحية هؤلاء العمالقة، مما أثر فيهم، كما يذكر الجزائريون سلسلة "بلا حدود" التي راجت في رمضانيات العشرية السوداء، وكيف كانت بلسما على قلب الجزائريين، في حين لم يعد كل ذلك موجودا اليوم، ولم يعد المشاهد الجزائري ينتظر جديد رمضان، الذي تحول من موسم إبداع ومرافقة، إلى موسم إشهار للأعمال المتواضعة أو لكاميرا خفية لا تبقى ولا تذر، والحل الذي يراه الكثيرون، أن تتم برمجة الروائع القديمة كما كان الحال منذ سنوات، حيث يبرمج التلفزيون الجزائري مقتطفات من تلك الأعمال في السهرات الرمضانية.