لأن الأطفال المرضى لاسيما المصابين بالسرطان فئة هشة بحاجة إلى من يواسيها وإلى من ينقل عوزها ويتحدث عن وجعها، ولأن الكثير من هؤلاء الأطفال يعانون الوحدة، اختارت السيدة جان غناي - فرنسية الأصل - أن تتبناهم منذ 12 سنة، وأن تصنع لأجلهم دمى تبيعها لتقتني لهم ما يلزمهم، علها بذلك تقنع كافة المواطنين بأن السرطان مرض غير معد، وأن شريحة الأطفال المصابة به بحاجة إلى من يحمل أوجاعها، مما يجعلها بمثابة سفيرة لحقوق الأطفال المرضى . جاءت إلى الجزائر بعد الاستقلال بعد أن كانت مقيمة بتونس، تزوجت من جزائري وأنجبت ثلاث بنات، اعتنقت الإسلام عن قناعة كبيرة سرها التأثر بمبادئه السامية والتي يتقدمها عدم التفريق بين البشر مهما كان جنسهم ولونهم. هي سيدة فنانة، أحبت الرسم والنقش، طيبة بامتياز في عشقها للعمل التطوعي وفي تعلقها بهدف أن تكون أم الأطفال المرضى الذين لا أحد يطرق بابهم. قابلتها "المساء" في قصر الثقافة، حيث شاركت مؤخرا في صالون اللياقة والجمال بعرض دمى جميلة كبيرة الحجم، والأجمل من ذلك هو تلك اللافتة التي دونت عليها عبارة مفادها أن ثمن الدمى المعروضة مخصص لفائدة الأطفال المصابين بالسرطان، ومن هنا جاء الفضول لمعرفة حكاية صانعة تلك الدمى. سألنا السيدة جان (70سنة) فاتضح من إجابتها أن خدمتها التطوعية جعلتها بمثابة سفيرة لحقوق الأطفال، هي سيدة أقامت بالجزائر منذ سن ال 24، رقة قلبها تقودها يوميا إلى المصالح الطبية حتى تزور أطفالا يئنون بصمت، إنها باختصار شخصية خدماتية يمكن إسقاط كل الصفات الحسنة الموزونة بمقاس المرأة الطيبة عليها. حس مرهف يسكن الآلام! حكايتها مع الأطفال بدأت منذ 12سنة عندما قادها القدر إلى إحدى المصالح الطبية بالعاصمة، حيث لفت انتباهها وضع بعض الأطفال المرضى المحرومين من زيارة ذويهم وغير ذويهم، فضلا عن معاناتهم من قلة الرعاية. وفي هذا الصدد تقول السيدة جان: "تأثرت كثيرا جراء ذهنية التهميش التي تحول دون أن يحظى أولئك الأبرياء المرضى بزيارة الغير رغم أن مرضهم ليس معديا، حينئذ قررت أن أكون أما لهم لأنقل إلى الجميع رسالة فحواها أن مرض السرطان لا يعدي، وبإمكان أي شخص أن يزور هذه الفئة، وأنا مثال حي على ذلك، إذ لم أمرض رغم أني أمضيت 12 سنة بينهم"، وتسترسل: "أسخر حياتي للنضال من أجل خدمة هذه الشريحة، ولاشيء سيحول دون مواصلتي لمهمتي التطوعية إلا الموت" . تمنح "أم الأطفال المرضى" كل وقتها للصغار المصابين بالسرطان، حيث تطل عليهم في كل مرة حاملة لهم ما يحتاجونه من ألبسة ومأكولات لتعوضهم عن الدفء العائلي المفتقد، وحتى يوم عيد الفطر تقضيه برفقتهم، وتصرح بهذا الخصوص: "عندما تأتي هذه المناسبة لا أستطيع تناول حلويات العيد والقهوة دون أن أزورهم رفقة البهلوانيين لنتمتع بذوقها سويا في جو عائلي تغمره السعادة"، ثم تستطرد: "على فكرة لقد تعلمت طريقة تحضير مقروط العسل". ليس من الغريب أنها جذبت انتباه العديد من الناس بعد أن وجدوا فيها أجمل صفات الإنسانية.. وقد كنا شاهدين حين إنجاز الموضوع على أشخاص قصدوها خصيصا لتقديم مساعدات تمكنها من أداء مهامها. وتروي السيدة جان التي عكست شخصية مميزة بعطائها: "أحظى بحب الكثير من الناس وأجد المساعدة في كل مكان، فحتى بعض الوزراء يقدمون لي يد المساعدة، مما يحثني على مواصلة رسالتي ذلك لأنه يسرني كثيرا أن أتلقى المساعدة من طرف القلوب الرحيمة". وما تزال السيدة جان غناي التي انطلق مشروعها الإنساني منذ عدة سنوات مصرة على مواصلة المسار إلى الأبد من خلال صنع وبيع دمى بسعر 3 آلاف دج تترجم حسها المرهف قبل فكرها الجمالي، كما يدفعها الطموح إلى أن تعلق الآمال على الأيام القادمة عسى أن تمكنها من شراء كراس متحركة وأدوية لفائدة الأطفال المرضى. ولعل خير ما يمكن أن نختم به هذه الأسطر هو القول بأنه رغم كون فرنسا موطنها الأصلي، إلا أنها فضلت أن لا أقول عنها بأنها سيدة فرنسية إلا بعد "مفاوضات" ..لأن ذاتها تصرخ في الأعماق: "أنا جزائرية بروحي وقلبي، فهنا وجدت الرحمة والشفقة وكذا دفء القلوب!".