"الجزائر.. من عمق المأساة إلى تفتّق الآمال"، هو عنوان المؤلّف الصادر عن المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار، والذي وقّعه السيد ميلود شرفي كمساهمة منه في التأريخ لسنوات البناء والنماء التي عرفتها الجزائر في العشرية الأخيرة بعد سنوات من الدم والدموع، فكانت شهادة تضاف إلى الشهادات المتوالية عن خروج الجزائر من محنتها بتفوّق وسيرها على درب التنمية الشاملة. الكتاب الذي يتزامن صدوره والجزائر تعيش أطوار الحملة الانتخابية لرئاسيات التاسع أبريل المقبل، حمّل ميلود شرفي صفحاته التي تقارب المائتين، مجمل المحطات التي عايشها وعاشها كمواطن ومناضل استهوته عوالم السياسة ومداركها وتتبّع فصول التغيير في الجزائر، التي عادت من بعيد لتتفتّق فيها الآمال وتعيش في رحاب التنمية والبناء وإعادة الإعمار، بعد سنوات الفوضى والجنون بفضل إخلاص وانجازات رجال الجزائر. "الجزائر.. من عمق المأساة إلى تفتّق الآمال" حسب السيد شرفي "مشروع قديم بقي يدغدغ أفكاري مع نهاية العهدة الأولى لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة"، إذ راودته فكرة تدوين كلّ الانجازات التي تمّ تحقيقها "ليعلم الشعب أنّه صاحب الفضل في كلّ ما تحقّق.. واختياره للرئيس بوتفليقة كان خير تعبير عن رغبته الشديدة والملحة في التغيير والانتقال من مرحلة المأساة والدمار إلى مرحلة التآخي والبناء". وأضاف شرفي أنّ نسبة مشاركة الجزائريين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتزكيتهم بنسبة كبيرة لعهدة ثانية لبوتفليقة، حفّزتاه أكثر ودفعتاه بقوّة للمضي في خطّ أحرف هذا الإصدار، ليتيقّن الجزائريون بأنّ كلّ الأهداف المسطّرة بالأمس باتت اليوم واقعا معيشا. مستطردا بالقول أنّ إعداد الكتاب كان عهدا قطعه بينه وبين نفسه ليكون القارئ الجزائري على اطلاع شامل وبيّنة، ويستطيع بنفسه تثمين هذه الانجازات الضخمة التي حقّقها في ظلّ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وعن الهدف الرئيسي من وراء هذا المصنّف، أشار السيد شرفي إلى أنّه محاولة للقفز في طريق الديمقراطية خطوة جديدة نتعلّم فيها كيف نقدّم انجازاتنا المحقّقة بشكل نهائي و"نعالج في الطرح الانجازات المعطّلة، ونناقش بهدوء العثرات التي عرقلتنا على تجسيد ما تمّ تسطيره.. "أردت هذا الكتاب خطوة، وقصدت من الخطوة التقدّم إلى الأمام". واستبعد صاحب الكتاب أيّة محاولة لجعل "الجزائر.. من عمق المأساة إلى تفتّق الآمال"، دعامة انتخابية، بل أراد أن يحقّق رغبة الابتعاد قليلا عن عالم السياسة والعودة إلى مهنته الأولى "مهنة الصحافة" ليشارك في حركة التجديد والتغيير. الكتاب وقع في الحجم المتوسّط وحمل بين طيات صفحاته فصولا، يمثّل كلّ واحد منها حسب الكاتب، محطة أساسية لطبيعة المكتسبات الوطنية المحقّقة في مختلف أصعدة النشاط الوطني اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا وسياسيا، حيث تمّ رصد ما تحقّق بالأرقام والتحليل، في محاولة لإماطة اللثام عن المجهود الجهود الجبّار الذي بذل في العشرية الأخيرة من طرف رئيس الجمهورية بمعية الوطنيين ورجال الدولة والمواطنين. في البداية، وبعد المقدّمة التي خطّها السيد أحمد أويحيى، والتوطئة، عاد ميلود شرفي إلى خطاب رئيس الجمهورية أمام رؤساء البلديات، وحاول في المحور الذي أسماه "مراجعة الذات استمرار لطريق الإصلاح"، شرح بعض القيم الإنسانية التي تقوم عليها ديمقراطيتنا والتي من أهمّها مراجعة الذات ومحاسبة النفس، باعتبار أنّه يستحيل على أيّة أمّة وضع أيّة خطوة إلى الأمام دون وقوف لحظة تأمّل لإعادة النظر في كلّ ما تحقّق، مبيّنا كيف عبث البعض بمحاولة التثبيط من عزائم الجزائريين القوية. "المصالحة الوطنية، مصالحتنا أقوى من رصاصهم"، هو العنوان الذي اختاره شرفي للمحور الثاني الذي تطرّق فيه للمصالحة الوطنية بوصفها البوابة العملاقة التي دخل عبرها الشعب الجزائري إلى عهد جديد، فبفضلها وضع حدّا فاصلا للإرهاب الهمجي الذي عانى من ويلاته وانطلق في عالم التآخي والنماء.. ليعرّج شرفي في المحور الثالث على القضاء تحت عنوان "للعدالة دائما حديث أقوى"، حيث تناول القضاء كنقطة مهمة في حركة أيّ تغيير سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي "فالعدل أساس الحكم والإصلاحات العديدة التي شهدها القضاء في الجزائر كفيلة بإرساء دولة القانون". "العدالة الاجتماعية، أرضية صلبة للإقلاع"، أفرد لها شرفي المحور الرابع من خلال ملامسته لمستوى العدالة الاجتماعية التي بلغها المواطن الجزائري. مشيرا "ما الفائدة من العمل وبذل الجهد إذا كان المواطن يشقى ولا ينعم بخيرات وطنه؟"، فتحدّث عن الأجور والصحة والقدرة الشرائية وكذا السكن والحق في العمل ومياه الشرب وكلّ ما تحقّق وينتظر تحقيقه. وأفرد شرفي المحور الخامس للتربية والتعليم والثقافة تحت عنوان "رهانات علمية وثقافية وإصلاح نوعي"، واستعرض فيه نسبة التمدرس المقدّرة ب97 بالمائة للذكور و95 بالمائة للإناث، والآلاف من المؤسّسات التعليمية المشيّدة، إضافة إلى التعليم الجامعي الذي لم يعرف أيّة حركة إصلاح منذ 1971، وأيضا الثقافة التي عرفت في السنوات الأخيرة نهضة حقيقية تمثّلت في التركيز بالدرجة الأولى على بناء الهياكل وتأسيس المراكز التي تعنى ببعثها. "نهضة اقتصادية مميّزة" هو ما حمله المحور السادس، وكتب شرفي عن التخلّص من المديونية التي حرّرت الاقتصاد الجزائري من ربق التبعية، وعن برمجة 160 مليار لتحديث البنية الاقتصادية في شتى الميادين وذلك من خلال التوظيف العقلاني لمواردنا المالية حسب ما يقتضيه أسلوب الحكم الراشد، ليتوقّف شرفي في المحور السابع عند الدبلوماسية الجزائرية "عراقة مبادئ أصيلة"، ويختم كتابه بمحور أفرده للحديث عن التلاحم الشعبي بين الجزائريين ورئيسهم، وذلك قصد "إفهام بعض الأطراف أنّه عوض العمل على إحداث شرخ بين القاعدة والقمة، عليها العمل على تقديم البديل إن كانت تملكه حقّا". وأضاف "هذا التلاحم هو الذي يخلق قوّة الدولة". مبيّنا أنّ "الشعب الجزائري تعلّم من مأساته أنّ الكثير من الخطابات التي تتغنّى بالسراب وتحرث في الماء هي خطابات جوفاء ومردودة على أصحابها". واعترف ميلود شرفي في ختام تقديمه لهذا الكتاب، أنّه أجحف في حقّ قطاعات كثيرة لم يذكر أهمّ انجازاتها، وكشف عن نيّته انجاز كتاب آخر ليعطي من خلاله لكلّ ذي حقّ حقه ويمنح الفرصة للمواطن الجزائري ليقف بهدوء ويراجع كلّ ما حقّقه بلغة الأرقام.