أخذ قطاع الصحة في 2020 حصة الأسد من الاهتمام، كون انتشار جائحة "كوفيد 19" فرض على دول العالم أجمع التركيز عليه، سواء من حيث الوقاية أو العلاج، حيث صار الإنفاق على هذا القطاع من أولويات السلطات العمومية، التي لجأت إلى طلب تبرعات من المحسنين، واستغلال بعض أموال الزكاة، وتكون قد حولت فصولا من أموال نشاطات قطاعات أخرى شهدت توقفا تاما خلال هذه الفترة، والتي لا زالت مستمرة إلى أجل مرتبط بمرحلة التلقيح المنتظرة، وكشفت الوضعية الوبائية جملة من نقاط الضعف في المنظومة الصحية، مما جعل السلطات العليا للبلاد تأمر بتصحيح الاختلالات والأخطاء، التي اعترف بها وزير القطاع عبد الرحمن بن بوزيد، ورفع ميزانية القطاع في عام 2021 بنسبة 2.42 بالمائة. لا شك في أن جائحة "كوفيد 19" وضعت قطاع الصحة على المحك، مما جعل كل الأنظار تتجه نحو واقع هذا القطاع، الذي ورث عدة نقائص مسجلة في الميدان، تخص نقص التغطية الصحية، وعدم وجود خدمات ذات نوعية بالشكل المأمول، نظرا للاحتياجات المتزايدة، المرتبطة بالنمو الديموغرافي في بلادنا، زادها تعقيدا انتشار فيروس "كورونا"، الذي صار امتحانا حقيقيا لهذا القطاع الهام، ودفع بالسلطات العليا نحو تحديد نقاط القوة والضعف، وصارت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات المستشار الأول في مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فلا يُتخذ قرار إلا بالعودة إلى رأي هذه الهيئة المفصلية. اللجنة العلمية مرجعية للقرارات السيادية تعد 2020 سنة التحدي بالنسبة لقطاع الصحة، الذي صارت قراراته "سيادية"، حيث تتخذ الدولة قرارا في أي مجال إلا وتستشير فيه "اللجنة العلمية لرصد ومتابعة انتشار جائحة كورونا"، وباتت هذه الهيئة التابعة لوزارة الصحة وتضم بعض القطاعات الأخرى، ترسم معالم التوجهات والقرارات "الظرفية" لكل القطاعات الأخرى الاقتصادية والسياسية والتربوية الاجتماعية وغيرها، لأن مختلف القطاعات مرتبطة بالوضع الصحي، حيث أضحت "اللجنة العلمية لرصد ومتابعة انتشار جائحة كورونا"، الهيئة المفصلية والمرجعية لتحديد سير قطاعات هامة، كالتجارة والنقل والتربية، التي كانت تصدر قرارات بشأنها، حسب بارومتر الوضعية الوبائية، ولا زالت بيد هذه الهيئة الاستشارية سلطة اتخاذ القرارات المرتبطة بسير الأمور، إلى غاية التخلص من هذه الجائحة، التي قلبت الموازين وأخلطت الأوراق. صارت البروتوكولات الصحية بمختلف المؤسسات الإدارية، التربوية، الرياضية والتجارية، تخرج من صلب هذه الهيئة المرجعية، وقد لاحظنا ذلك عندما توقفت الحركة التجارية مثلا، حيث أمرت اللجنة العلمية لرصد ومتابعة انتشار جائحة "كورونا" بغلق معظم المحلات، إلا الضرورية منها، خاصة الأسواق التي تشهد احتكاكا وزحمة يومية، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع النقل، وقطاع التربية، وكذا التعليم العالي، حيث أمرت اللجنة بتطبيق بروتوكولات صحة صارمة، لتفادي انتشار الفيروس. ضرورة مراجعة المنظومة الصحية اعترف وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، عبد الرحمن بن بوزيد، في نوفمبر الماضي، بأن النظام الصحي في بلادنا بحاجة إلى مراجعة، من أجل تصحيح بعض الاختلالات والأخطاء، وقال خلال عرض مشروع ميزانية قطاعه، في إطار قانون المالية 2021، أمام لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، إن النظام الصحي بالجزائر اليوم، أصبح بحاجة إلى مراجعة، لإحلال عدالة اجتماعية أكثر فعالية ومراجعة بعض الاختلالات والأخطاء، لاسيما أن عدد السكان ارتفع مقارنة بالسنوات الفارطة، وارتفعت معه الطلبات الصحية. كشف الوزير عن أن مصالحه شرعت في العمل من أجل مراجعة هذه المنظومة، لكن هذا العمل -قال المتحدث- توقف بسبب توجيه كل الجهود نحو مكافحة وباء "كورونا"، كما أشار إلى أن بعض "مشاريع القوانين" في قطاع الصحة تعطلت، لكن يتم العمل عليها لإعطاء دفع للقطاع. أما فيما يخص ميزانية القطاع، فقد بلغت الاعتمادات المالية لرسم سنة 2021 أزيد من 527.9 مليار دينار، أي بزيادة تقدر ب2.42 بالمائة مقارنة بميزانية العام 2020، كما قدرت النفقات المخصصة لمستخدمي المؤسسات الصحية في إطار قانون مالية 2021، أكثر من 34.8 مليار دينار، وتم رصد مبلغ يتعدى 105.6 مليار دينار نفقات تسيير المؤسسات الصحية، وبالنسبة للموارد البشرية، كشف الوزير عن أنه بعد وضع مؤسسات صحية جديدة حيز الخدمة، تم بعنوان سنة 2021، فتح مناصب جديدة شملت 1800 ممارس مختص، 600 طبيب عام، 9150 شبه طبي، 500 عون إداري، 130 متصرف، 100 أخصائي نفساني، 100 بيولوجي و1400 عون متقاعد. رفع التجميد عن مشاريع القطاع كما كانت 2020 سنة متميزة، تم خلالها إعادة بعث العديد من المشاريع، لتوفير الهياكل الصحية من مستشفيات وعيادات متعددة الخدمات وقاعات علاج، وفي هذا الخصوص، أكد وزير القطاع، نهاية جوان الماضي، خلال جلسة علنية بالمجلس الشعبي الوطني خصصت لطرح الأسئلة الشفوية، أن الحكومة رفعت التجميد عن العديد من المشاريع في قطاع الصحة بعدد من الولايات، نظرا لاحتياجات المواطنين بهذه المناطق، بعد أن كانت هذه المشاريع مجمدة بسبب قلة الموارد المالية، ومثال ذلك ولاية إليزي التي استفادت من هذه المشاريع، بعضها جسد على أرض الواقع والبعض الآخر في طريق الإنجاز، وتم رفع التجميد عنه، من بينها ستة مشاريع تتعلق بمؤسسات استشفائية تتسع لما بين 60 و120 سرير، وعيادات متعددة الخدمات وقاعات علاج، إلى جانب فتح مصالح متخصصة بعدة مناطق توجد فوق تراب الولاية، وإنجاز مدرسة للتكوين في شبه الطبي. وضع خارطة صحية جديدة وعد الوزير بن بوزيد، خلال جلسة طرح الأسئلة الشفوية بالبرلمان، نهاية جوان الماضي، بحل أحد المشاكل التي كانت تحول دون تنقل الأطباء إلى الولايات، لاسيما بالجنوب، وهو مشكل السكنات الوظيفية الموجهة للأطباء الأخصائيين، التي منحت لغير عمال القطاع، مؤكدا أن الصلاحيات تعود إلى الولاة في الفصل في هذه المسألة، ملتزما بحل هذا المشكل مستقبلا، كما تعهد الوزير بوضع خارطة صحية وطنية جديدة، ستساعد على التخلص من التراكمات التي يعاني منها القطاع، والاختلالات المعرقلة للتطور. الوكالة الوطنية للأمن الصحي.. إضافة جديدة تعد الوكالة الوطنية للأمن الصحي، التي أنشئت بمقتضى مرسوم رئاسي صدر في جوان 2020 بالجريدة الرسمية، مؤسسة للرصد والتشاور واليقظة الاستراتيجية والتوجيه والإنذار في مجال الأمن الصحي، حيث أسندت لهذه الوكالة، التي يرأسها البروفيسور كمال صنهاجي، جملة من المهام، على رأسها إعداد الاستراتيجية الوطنية للأمن الصحي والسهر على تنفيذها، بالتشاور مع الهياكل المعنية. كما تضمن هذه المؤسسة، تنسيق البرامج الوطنية للوقاية من التهديدات وأخطار الأزمات الصحية ومكافحتها، وتتولى مهمة المستشار العلمي لرئيس الجمهورية في مجال الأمن الصحي وإصلاح المنظومة الوطنية للصحة العمومية، إذ يدير الوكالة رئيس برتبة مستشار في رئاسة الجمهورية، يساعده نائب، وهو المنصب الذي عُين فيه المختص البارز في الأمراض المعدية إسماعيل مصباح، بالإضافة إلى مستشار خاص برتبة مكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية، تم تعيينهم بمرسوم رئاسي. تأتي هذه الإضافة الجديدة في هذا القطاع الهام، لتؤكد الرؤية الجديدة للتوجه السياسي النابع من برنامج الرئيس عبد المجيد تبون، الذي وصف هذه الهيئة الاستشارية ب"المخ" الذي سيضمن مستوى عال من العلاج والطب النوعي وحماية الطفولة والأمومة وتوسيع الوقاية من مختلف الأمراض، فيما ستكون وزارة الصحة بمثابة "الأعضاء" التي تطبق في الميدان. قانون لحماية السلك الطبي كما حملت سنة 2020 الجديد بالنسبة لحماية الأطقم الطبية، التي طالما تتعرض للاعتداءات من طرف المرضى وذويهم، حيث صادقت الحكومة في جويلية الماضي، على مشروع تمهيدي لقانون يعدل ويتمم الأمر رقم 66 156 المؤرخ في 8 يونيو 1966، والمتضمن قانون العقوبات، في شقه المتعلق بحماية السلك الطبي، وجاءت هذه القوانين على خلفية الجدل الواسع في أوساط المجتمع، جراء الاعتداءات المتكررة على الأطقم الطبية بعدة مستشفيات صحية عبر الوطن، مما جعل الدولة على إثر ذلك، تقرر التصدي لهذه الظاهرة، من خلال تعديل القانون الجنائي لتجريم هذه التصرفات ومعاقبة مرتكبيها بشكل قاس وردعي. حيث يتضمن القانون أحكاما قابلة للتطبيق في الأوضاع العادية والاستثنائية، تتمثل في حماية السلك الطبي وشبه الطبي والإداري بالمؤسسات الصحية العمومية والخاصة، أثناء تأدية مهامهم، وتشديد العقوبات المنصوص عليها سابقا في المادة 144، وما بعدها من قانون العقوبات، التي تتعلق بموظفي ومؤسسات الدولة، وفي أحكام المادة 264 التي تتعلق بأعمال العنف العمدية. توسيع منحة الخطر للمهنيين ولأن سنة 2020 ارتبطت بجائحة "كورونا"، وما تركته من مخلفات على كل المستويات، حيث كانت الأطقم الطبية في الصفوف الأولى لمواجهة هذا الخطر الداهم، ولتثمين جهود هذه الفئة، فإن الدولة لم تتأخر في المستشفيات، عن الإعلان عن توسيع منحة الخطر التي أقرها رئيس الجمهورية لمستخدمي قطاع الصحة المسخرين لمجابهة فيروس "كورونا" المستجد، لتشمل عدة فئات أخرى، على غرار القابلات والأخصائيين النفسانيين وأعوان الصحة العمومية والمخبريين والمختصين في البيولوجيا، حيث يقوم مدير المؤسسة الاستشفائية بإعداد قوائم المستفيدين من هذه المنحة، اعترافا بالمجهودات المبذولة في مواجهة هذا الفيروس، الذي أودى بحياة العديد من أفراد المهنيين، لاسيما أن الفيروس أدى إلى وفاة 120 مهني في قطاع الصحة، وإصابة 9146 به مؤخرا. لا ننسي أن سنة 2020 التي تميزت بالوضعية الوبائية، تقرر خلالها تخصيص إعانات مالية للمتضررين من فيروس "كورونا"، يجري تطبيقها بداية من جانفي 2021، بغرض مساعدتهم على تحمل تكاليف الفحوصات والأعباء المالية، حيث تقرر تخصيص مبلغ 5 آلاف دينار، لتغطية تكاليف إجراء الفحص ب"السكانير" الصدري الخاص بفيروس "كورونا"، ومبلغ 3500 دينار، لتغطية تكاليف إجراء الاختبار بواسطة تقنية "بي. سي. آر"، وكذا مبلغ 1500 دينار لتغطية تكاليف إجراء اختبار سريع للمضادات الجينية الخاصة بفيروس "كورونا". الرئيس تبون منح عددا من شهدائه أوسمة "عشير" "الجيش الأبيض" في الواجهة ظهرت الأهمية البالغة لقطاع الصحة منذ بداية الأزمة الوبائية في نهاية شهر مارس الماضي، حيث كان المشهد الصحي خلال 2020، مرتبطا بالخدمات التي يقدمها هذا القطاع، وبرز إلى السطح مصطلح "الجيش الأبيض" الذي يتعلق بالسلك الطبي وشبه الطبي، الذي كان في الصفوف الأولى لمواجهة وباء "كوفيد 19"، حيث ضحى بالعديد من جنوده وخيرة إطاراته المتخصصة، الذين استشهدوا في ساحة الحرب ضد الفيروس القاتل. في هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة، أن العاملين الصحيين دفعوا ثمنا باهظا، إذ توفي منهم 141 وأصيب أكثر من 10 آلاف بفيروس "كورونا". عرفانا لما قدمه أفراد "الجيش الأبيض"، قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منح وسام بدرجة "عشير" من مصف الاستحقاق الوطني، لعدد من شهداء الجيش الأبيض أثناء مواجهتهم فيروس "كورونا". على غرار المرحوم البروفسور سي أحمد مهدي، رئيس مصلحة الجراحة العامة بالمستشفى الجامعي "فرانز فانون" بالبليدة، والمرحومة الطبيبة بمستشفى رأس الوادي ببرج بوعريريج، وفاء بوديسة، إلى جانب المرحوم جمال طلحي، سائق سيارة إسعاف بمستشفى بوفاريك. أبرزت جائحة "كورونا" حجم مسؤولية إطارات هذا القطاع، وخطورة مهنتهم النبيلة، وحاجة المجتمع إلى خدمات هذا القطاع، التي صارت في صدارة الاهتمامات، ولا يخفي على أحد أن مخاوف الإصابة بداء "كورونا" وهاجس الخوف الذي انتشر في أوساط المجتمع، لاسيما في بداية الوباء، حملت الطاقم الطبي أكثر مما يطيقون، ووقعوا ضحية انتقادات لم يكن بعضها موضوعيا، على اعتبار أن العامل البشري والخبرة المهنية، لا تفي بالغرض المطلوب، إذا لم تكن الإمكانيات ووسائل العمل متوفرة، حيث ظهرت هذه الانتقادات جلية، عندما تدفقت حشود المواطنين على المستشفيات لطلب الفحص وإجراء التحاليل المخبرية، التي كانت مقتصرة على معهد "باستور"، لتتوسع بعدها إلى ولايات أخرى، وبعدها تم اعتماد مخابر خاصة لإجراء التحاليل الخاصة بالكشف عن فيروس "كوفيد 19".