يعد الحرمان العاطفي أحد أكبر المتاعب النفسية التي يعاني منها الأطفال المحرومون من الحنان الأسري، لسبب أو لآخر، ولعل من أكثر شرائح المجتمع تأثرا بهذا المشكل النفسي، الأطفال المهملون الذين ولدوا بعد علاقة غير شرعية، ومن أجل التخفيف من حدة هذا الحرمان العاطفي أنشئت بعض الجمعيات الناشطة في مجال الطفولة التي اعتبرت هدفها الأول، هو تمكين الطفل من العيش في محيط أسري هادئ آمن مليء بالحب والحنان، حتى ينمو نموا طبيعيا، من بينها الجمعية الجزائرية للطفولة والعائلات للاستقبال المجاني. "المساء"، التقت بالسيدة طيب ممثلة الجمعية الجزائرية للطفولة والعائلة للاستقبال المجاني برياض الفتح، خلال مشاركتها في المحاضرة التي برمجت على هامش صالون الرضع تحت عنوان" الحرمان العاطفي"، وقد تم استضافة الجمعية باعتبارها تجسد الصورة الواقعية للطريقة التي يتم من خلالها التكفل بالأطفال المهملين منذ اللحظة الأولى التي يبصرون فيها النور، وعرض تجربتهم الهادفة إلى تأمين جو عائلي للمولود، وكان معها هذا الحوار: - بداية عرفينا بالجمعية. * جمعيتنا أنشئت منذ سنة 1987، تعمل في مجال التكفل بالأطفال الذين يتم التخلي عنهم من قبل أمهاتهم، حيث تقوم المكلفة الاجتماعية بجلب الطفل من المستشفى مباشرة، بعد التأكد بأن والدته لا ترغب في الاحتفاظ به، وقبل الثمانينيات كانت الجمعية تستقبل خاصة الأطفال الذين ولدوا من زواج تم بالفاتحة فقط، ولكن بعد تعديل قانون الأسرة الجزائري أصبحنا نستقبل الأطفال الذين يولدون بعد علاقة غير شرعية بحكم التهور أو بسبب وعود الزواج الزائفة، إلى جانب الأولاد الذين ولدوا نتيجة عملية اغتصاب. - كيف يتم التأكد من أن الأم لا ترغب في مولودها؟ * هناك قانون تعمل به الجمعية، مفاده أن الأم التي لا ترغب في الاحتفاظ بمولودها، توقع على وثيقة تعلن من خلالها موقفها الرافض للاحتفاظ بالمولود وتمنح لها مدة ثلاثة أشهر للتراجع عن قرارها، فإن تراجعت وقررت الاحتفاظ به تعمل الجمعية على مساعدتها ماديا ودعمها معنويا، لأن هدف الجمعية الأول هو الإبقاء على المولود رفقة والدته بكل ما يحتاج إليه من الحب والحنان. - ماذا يحدث عندما لا تتراجع الأم عن قرارها؟ * هناك حالات تمدد فيها الجمعية المدة إلى غاية ستة أشهر حتى تمنح الأم فرصة مراجعة نفسها أو تسوية وضعيتها، ولكن بعد انقضاء الأجل المحدد قانونا فهذا يعني أن هذه الأم لا ترغب في المولود، وفي هذه الحالة تقوم جمعيتنا بالتكفل به، حيث تتجند المربيات اللواتي يعملن بدور الحضانة بالإشراف على تلبية كل احتياجات هذا الطفل حتى لا يشعر بأي نوع من الحرمان، من خلال تفعيل التواصل بيه وبين المربيات اللواتي يقمن بعمل الأم، وذلك في مراكزنا الموجودة في كل من حجوط واسطاوالي،. - هل حدث وأن تراجعت بعض الأمهات عن قرارهن؟ * في أول الأمر تتجه اغلب النساء إلى رفض المولود وعدم الرغبة حتى في النظر إليه، لا سيما إن كان ناتجا عن حالات اغتصاب، ولكن بعد مدة تتراجع بعض الأمهات عن قرارهن ويسترجعن أبناءهن، حيث بلغت نسبة الأمهات اللواتي استرجعن فلذات أكبادهن 25 بالمئة، خاصة بعد أن تقوم الجمعية بتقديم بعض المساعدات لهن. - ما هو مصير الأطفال الذين يلتحقون بهذه المراكز؟ * تنبغي الإشارة إلى أن الجمعية تتكفل بالأطفال من سن صفر إلى غاية السنتين، باعتبار أن هؤلاء الأطفال يخضعون للكفالة، وبالتالي فهم لا يمكثون طويلا بالمراكز المكلفة برعايتهم، ولا أخفي عليكم أن طلبات التكفل بهؤلاء الأطفال كبيرة جدا. - لمن تمنح الكفالة وعلى أي أساس؟ * قبل أن نقوم بمنح مولود ما لعائلة معينة، نشترط أولا من المعني بالأمر أن يعد ملفا إداريا، بعدها تقوم الجهة المكلفة بتحقيق حول هذه العائلة وكل ما يتعلق بوضعها المادي الاجتماعي وغيرها، كما نشترط أيضا في الحالات التي يكون فيها الكافل من عائلة كبيرة مكونة من الأب والام والأبناء والخالة أو الأجداد، قبول كل الأطراف بالطفل المتكفل به، لأنه في حال ما إذا كانت الأم تقبل التكفل به وهو مرفوض من طرف الأبناء أو المحيط العائلي، فإن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبا على نموه النفسي والعاطفي، وبالتالي لا يمنح الطفل لهذه العائلة، وهو ما تحاول جمعيتنا تجنبه لأن هدفنا تأمين الحماية والرعاية له بالدرجة الأولى، وحمايته من الصدمات النفسية. - ما هي الأولويات التي تخضع لها الكفالة؟ * يخضع منح الطفل لعائلة لأولويات، حيث نبدأ بالعائلة التي لم ترزق بالأبناء، بعدها تأتي العائلات التي تملك الأبناء وترغب في تربية مولود آخر، كأن ترغب في مولود ذكر فقط أو العكس، كما نمنح بالدرجة الثالثة الكفالة للنساء العازبات اللواتي يرغبن في ممارسة الأمومة. - هل حدث وأن أعيد إليكم أطفال من العائلات التي تكفلت بهم؟ * لدينا خبرة في الميدان عمرها عشرون سنة، لم يحدث أن صادفتنا حالة أعيد فيها إلينا مولود تكفلت به عائلة ما، لأننا بكل بساطة نتحرى مصلحة الطفل المكفول أولا قبل أن نمنحه لعائلة ما، كما أننا نجري لقاء تعارف بين العائلة التي سبق لها وان تكفلت بطفل مع عائلة تقبل على التجربة للمرة الأولى، حيث تقوم الأولى بالإجابة على بعض تساؤلات العائلة الثانية وننظم هذه الجلسات لمرات عدة حتى لا تحدث حالة ندم يذهب ضحيتها الطفل المكفول. - هل تنصحون العائلة الكافلة بقول الحقيقة للطفل المتكفل به؟ * إن أول شيء ننصح به العائلة التي تقدم على هذه الخطوة، هي تحري الصدق ونقل الحقيقة كاملة للطفل بدءا من سن الرابعة، وذلك حتى نجنب الطفل التعرض لصدمة تهز شخصيته وتجعله عرضة لبعض الأمراض النفسية والجسدية التي يأتي على رأسها العزلة، الانطواء، الشعور بعدم الانتماء، والتي قد يولد بداخله عقدة الانتقام من المجتمع نتيجة شعوره بالحرمان العاطفي وعدم قدرته على تكوين علاقات، ناهيك عن قلة التركيز إلى جانب كونه اكتشف أنه عاش ضحية أكذوبة. - كيف هو إقبال العائلات الجزائرية على طلب التكفل؟ * يبدو انه بعد أن زال اللبس الذي كان قائما في وقت مضى حول مفهوم التكفل وخلطه بالتبني، بات الإقبال كبيرا على طلب التكفل من العائلات الجزائرية، لا سيما على البنات، باعتبار الفتاة رمزا للسكينة ومنبعا للحنان والعطف، خاصة إذا تمت تربيتها تربية صالحة. - كيف تتعاملون مع الأطفال المرضى أو المعوقين؟ * لا يخفى عليكم أن وجود طفل مريض في العائلة أو معوق يطرح إشكالا كبيرا بين الأسر، التي يولد فيها المولود في أحضان عائلته، فأمه على الرغم من أنها لا تنفر منه إلا أنه يشكل لها هما كبيرا بالعائلة، فما بالك بهؤلاء الأطفال المهملين الذين إلى جانب الإهمال والمرض لا يرغب أيا كان في التكفل بهم، وهو أمر طبيعي، حقيقة نحن لا نهملهم، بل بالعكس، نوليهم أهمية خاصة، حيث نخصص لهم جناحا خاصا وفرقا من المربيات المكونات اللواتي يسهرن على التكفل بهم. - كم استقبلت جمعيتكم من رضيع منذ تأسيسها؟ * بلغ عدد الأطفال الذين استقبلتهم الجمعية منذ تأسيسها سنة 1987 إلى غاية اليوم، حوالي 1900 رضيع، ولتقريب الصورة أكثر، فإننا نستقبل تقريبا 100 رضيع كل سنة، وحسب إحصائيات سنة 2008، بلغ عدد الرضع الذين استقبلناهم 105 رضيع. - أخيرا، ما الذي تتمنونه كجمعية همها إسعاد الطفل من خلال العيش في عائلة؟ * أمنيتنا الوحيدة، هي أن لا يكون هناك أي طفل مهمل بمجتمعنا الجزائري، كما نتمنى أن تحتفظ كل أم بفلذة كبدها، لأنه بكل بساطة لا بديل عن حنان وحب وعطف الأم، كما نتمنى أن يراجع كل من الرجل والمرأة نفسيهما قبل خوض أية علاقة غرامية، تؤدي إلى نتائج يدفع ثمنها الرضيع باعتباره ثمرة المغامرة.