يفتح رواق "محمد راسم" إلى غاية 15 أفريل الجاري السجل الذهبي للفنان الفلسطنين الشهيد ناجي العلي من خلال رسوماته الكاريكاتورية اللاذعة التي قصمت ظهر اسرائيل على الرغم من أنها لا تعدو سلاحا من ورق. ناجي العلي، مناضل ومفكر وسياسي محنك وضع كل ما أوتي من خرائق لا يكررها الزمن فداء لفلسطين، مات حرا ولم تهمه يوما لومة لائم. اصطفّت لوحات الراحل لتملأ جدران الرواق ولا تترك أية مساحة فارغة اشتركت كلها في طرح الهم الفلسطيني الذي لا يساويه همّ آخر، لا تصور تلك اللوحات التشريد والجوع والقتل الجماعي والنفي الذي يتعرض له الشعب الفلسطنين، بل تصور إلى جانب ذلك كله الواقع العربي المر وبعض السياسيات العربية الفاشلة التي انعكست على القضية الفلسطينية، ناهيك عن النقد الذاتي الذي مارسه العلي على بعض القيادات الفلسطينية، إلا أن الصورة الثابتة التي لم تهزها تلك المآسي هو ثبات الفلسطيني البسيط على أرضه وإصراره على الموت على أن يبيع شبرا من ترابه. بحكم ثقافته وتمرنه في العمل السياسي تبنأ الراحل ناجي العلي بالأحداث والتغيّرات التي شهدتها الساحة العربية والفلسطينية، موضحا موقفه منها. وقد أبرزت بعض اللوحات المعروضة مثلا موقفه من قيام الدولة الفلسطينية واستحالة نشوئها واستمرارها تحت الاحتلال، فصوّر مساحة فارغة (إطار) وكتب تحته "دولة فلسطينية بالحبر السري" ولوحة يشرح فيها الفرق بين المقاومة الشرعية والإرهاب إذ أن إحدى الرسومات كتب عليها مثلا "اللي يقول على المناضلين إرهابيين بدّي احشي رجلي الثالثة بعينه" والرجل الثالثة هي العصا التي يرتكز عليها فلسطيني بعدما بتر الاحتلال أحد رجليه. إضافة الى موقفه من عملية السلام الذي كان رافضا لها جملة وتفصيلا باعتبار أنها ستخدم اسرائيل لاغير، وقضية المقاطعة العربية مع هذا الكيان التي هي خيار استراتيجي دائم يقول في أحد تصريحاته "كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي... أنا أعرف خطأ واحدا، أنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام لا سرائيل". بطل رسومات ناجي العلي "حنظلة" وهي بمثابة أيقونة روحه ترفعه كلما حاول السقوط، كما أنها بوصلته المضبوطة دوما على اتجاه فلسطين. يقول الراحل عن حنظلة "قدمته للقراء واسميته "حنظلة" كرمز للمرارة في البداية، قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني وإنساني، أما عن سبب إدارة ظهره للقراء، فتلك قصة تروي في المراحل الأولى رسمته ملتقيا وجها لوجه مع الناس وكان يحمل الكلاشينكوف وكان أيضا دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي، يناقش بالعربية والانجليزية بل أكثر كان يعلب الكارتيه، ويغني الرجل، ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة". كان الراحل ناجي العلي يتجاوز مهمة الكاريكاتير الاعلامية المجردة بل كان يراها مهمة تحرضيه وتبشيريه تبشر بالأمل والمستقبل، وعليها كسر حاجز الخوف بين الناس والسلطة، كان منحازا لطبقته، للفقراء كان لا يغالط روحه ولا يتملّق أحدا فالقضية واضحة ولا تتحمل الاجتهاد، فالفقراء هم الذين يموتون، وهم الذين يسجنون، وهم الذين يعانون المعاناة الحقيقية، والمناضل الحقيقي كما قال دائم العطاء يأخذ حقه من خلال حق الاخرين وليس على حسابهم. ويقول أيضا "أستطيع أن أقول أنني مهموم ليس شخصيا بل همّ جماعي يرتبط بآلام الآخرين، إن الحزن ظاهرة مريحة لوجداني، والانسان الذي لا يفهم الحزن تكون عاطفته محدودة جدا ويعاني نقصا وجدانيا وانسانيا". للتذكير فإن ناجي سليم حسين العلي الملقب بضمير الثورة هو من مواليد قرية الشجرة عام 1936 وهي قرية تقع بين الناصرة وطبرية في الجليل الشمالي من فلسطين، شرد من فلسطين عام 1948 لينزح مع عائلته الى لبنان ولجأ الى مخيم عين الحلوة شرق صيدا. درس في مدرسة "اتحاد الكنائس المسيحية" حتي حصوله على "الشهادة" لكن تعذرت عليه الدراسة بفعل الفقر فدخل عالم التكوين المهني ثم العمل ثم سافر الى السعودية وظل يزور لبنان، في سنة 1960 أصدر نشرية سياسية بخط اليد مع رفاقه القوميين العرب تدعى "الصرخة"، ودخل الأكاديمية اللبنانية للرسم "أليكسي بطرس" لمدة سنة لكنه توقف نتيجة اعتقاله ليواصل تكوينه في الرسم لمدة 3 سنوات بمدينة صو في الكلية الجعفرية، ثم سافر الى الكويت وعمل رساما ومخرجا ومحررا صحفيا وعمل في جريدة "السياسة" حتى سنة 1975، عمل أيضا في جريدة "السفير اللبنانية"، وانتخب رئيس رابطة الكاريكاتير العرب سنة 1982 وشاركت أعماله في أكبر المعارض الدولية. أصدر العلي ثلاثة كتب (1976،1983،1985) ضمنت مجموعة من أعماله المختارة، كما نشر أكثر من 40 ألف لوحة كاريكاتورية طوال حياته الفنية عدا المحظورة منها التي لا تزال حبيسة الأدراج. اختارته صحيفة "أساهي" اليابانية كواحد من بين أشهر عشرة رسامي الكاريكاتير في العالم، ووصفه الاتحاد الدولي لناشري الصحف في باريس بأنه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن ال 18، اغتيل ناجي العلي في لندن في يوم 22 جويلية سنة 1987 وتوفي يوم 29 أوت عام 1987 .