نفى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب التونسي أن يكون البرلمان سببا في حالة الاحتقان السياسي الذي تعيشه تونس منذ أشهر دون بريق أمل لإيجاد مخرج له، محمّلا مسؤولية ذلك على رئيس الجمهورية، قيس سعيد ورئيس الحكومة، هشام المشيشي، معبرا عن أمله في أن يقوم رئيس الدولة بدوره الدستوري في قبول الوزراء الذين منحهم البرلمان ثقته وتمكينهم من أداء اليمين. وجاءت تصريحات الغنوشي الذي تشكل حركة النهضة التي يقودها، رقما محوريا في المعادلة السياسية التونسية، في سياق تجذر أزمة سياسية حادة في أعلى هرم السلطة التنفيذية على خلفية رفض الرئيس، سعيد السماح لعدد من وزراء حكومة المشيشي أداء اليمين الدستورية رغم تزكيتهم من طرف نواب مجلس الشعب. وبرر الرئيس التونسي قراره بشبهة فساد هؤلاء وتضارب مصالح بصفتهم وزراء في الحكومة وبين كونهم رجال أعمال، ضمن موقف أحدث شرخا في المشهد السياسي التونسي بين مؤيد للرئيس ورافض له وخاصة بعد حصولهم على ثقة نواب البرلمان. وقال راشد الغنوشي ، خلال مشاركته، أمس، بالعاصمة تونس في ندوة "الثبات على نضال الحركة الوطنية" بمناسبة الذكرى 65 لاستقلال تونس، تعليقا على حالة الانسداد القائمة، أن الحوار يبقى السبيل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة وتفادي الدخول في متاهة الخطاب المتشدد والإقصاء والتفرقة الذي لن يزيد نار الأزمة إلا تأججا. وأضاف أن "تونس تمر بفترة انتقالية وأن المراحل الانتقالية في تاريخ الثورات عادة ما تتسم بكثير من الاضطرابات والأزمات"، معتبرا كلفة هذا الانتقال في بلاده ب"المعقولة". وعرفت القبضة المحتدة بين الرئيس سعيد ورئيس حكومته تفاعلات متلاحقة وصلت إلى حد تعالي أصوات مطالبة بحل البرلمان وتنظيم "استفتاء شعبي لتغيير نظام الحكم من شبه برلماني إلى رئاسي حتى يكون لرئيس الجمهورية كلمة الحسم وصلاحية اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية". وجاء تصريح الغنوشي يوما بعد أن شهد قلب العاصمة تونس ظهر السبت، خروج مئات التونسيين في مسيرة رفعوا خلالها شعار "الشعب يريد حل البرلمان" بقناعة أنه المتسبب في حالة الاحتقان السياسي التي عطلت كل مسعى لاتخاذ قرارات تخص عامة الشعب التونسي الذي يعاني من أزمة متشعبة، اقتصادية واجتماعية حادة بسبب تبعات "ثورة الياسمين" وأيضا بسبب التداعيات الكارثية التي خلفها تفشي فيروس كورونا على اقتصاد البلاد. وينص الدستور التونسي بخصوص هذا المطلب على أن رئيس البلاد لا يحق له إصدار قرار بحل البرلمان إلا في حالة مرور 90 يوما على انعقاده دون تشكيل الحكومة. ولكن ذلك لم يمنع سياسيين وخبراء في القانون الدستوري من دعوة الرئيس قيس سعيد إلى اتخاذ قرار في هذا الاتجاه بتفعيل المادة 80 من دستور البلاد والتي تخص "الحالة الاستثنائية" التي تفرضها "موجة العنف" في البلاد والحركات الاحتجاجية التي تشهدها وتكييف ذلك على أنه أزمة حادة في البلاد بما يخوله دستوريا الإقدام على مثل هذه الخطوة. وهو ما طالب به النائب التونسي، منجي الرحوي الذي دعا الرئيس سعيد إلى حل البرلمان بحجة تحوله إلى "ساحة للتناحر بين مكوّناته بدلا أن يكون مكانا للنقاش" و«تفعيل الحالة الاستثنائية". وهي مطالب وصفها راشد الغنوشي بأنها نداءات "قوى فوضوية" تسعى إلى حل البرلمان نافيا ما بدر من النائب منجي الرحوي وقال إلى نقيض ذلك، مؤكدا أن البرلمان "مكان للحوار وينبغي أن يَظل كذلك" ضمن موقف أيده فيه مصطفى بن أحمد، رئيس "كتلة حزب تحيا تونس"، الذي حذر من مخاطر الإقدام على مثل هذه الخطوة وقناعته أنه لن تكون هناك أي انتخابات" بعدها وخاصة في ظل الأجواء المتشنجة التي يعرفها الشارع التونسي، سواء بسبب تجذر الأزمة السياسية أو بسبب تردي الوضع الاقتصادي. ولكن التلويح بمثل هذه التوقعات لم تمنع رئيس لجنة المالية في البرلمان، هيكل المكي من دعوة الرئيس سعيد إلى الإسراع في تفعيل المادة 80 من الدستور لإنقاذ ما تبقى من الدولة التونسية، دافعه في ذلك أن الدولة "تواجه خطرا داهما يجب في إطار ذلك اتخاذ كل الإجراءات لإيقاف المهزلة التي تحدث في البرلمان"، ضمن خيار رافع من أجله أيضا، رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي الذي ناشد هو الآخر الرئيس، قيس سعيد تفعيل هذه المادة الدستورية التي تنص صراحة على فرض الحالة الاستثنائية. ويكون الجميع بذلك سواء المعارضين لفكرة حلّ البرلمان أو المؤيدين لها، قد ألقوا بالكرة في معسكر الرئيس التونسي الذي يتعين عليه اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا حفاظا على المصلحة العامة بعيدا عن أي حسابات سياسية ضيقة وخاصة في ظل الوضع العام الذي يشهده هذا البلد على جميع الأصعدة.