المتعوّدون على "الكوطة" والمحاصصة وتوزيع المقاعد و"الطابوريات" تحت الطاولة كلما عادت الانتخابات، لم يعودوا مقتنعين بجدوى التغيير عبر الصندوق والإرادة الشعبية، ولذلك على أقليتهم يريدون التشويش على المسار الانتخابي، طالما أنه سيكون بلا تزوير ولا تلاعب، وسيعيد الكلمة للإرادة الشعبية! لسان حال الصندوق الانتخابي يردّد الآن: "أخرجوا لنا شجعانكم"(..)، "أخرجوا لنا أنظفكم"، "أخرجوا لنا أتقاكم"، "أخرجوا لنا أكفأكم"، "أخرجوا لنا أحبّكم عند الناس"، مخاطبا الأحزاب والأحرار والمترشحين، من هؤلاء وأولئك، استعدادا لتشريعيات 12 جوان 2021، التي ستكون بقانون انتخابات جديد وتقسيم إداري جديد، ويجب أن تكون كذلك بعقليات جديدة من أجل مواصلة إرساء مشروع الجزائر الجديدة. لقد انقسمت الساحة والطبقة السياسية في ظلّ المتغيّرات والرهانات الحالية، إلى قسمين أو نوعين أو مجموعتين: الأولى "مرعوبة" ومتفّهة للتسابق النّظيف والشريف، والثانية انفتحت شهيتها على موعد تراه أنه فرصة ثمينة وذهبية لدخول البرلمان بواقع جديد يكرّس التسابق المفتوح والنّزيه عكس التجارب السابقة. لا يُمكن لسياسة "الكرسي الشاغر" والمعارضة العدمية والأبدية، أن تبني الدول والمجتمعات، ولذلك غيّرت عديد القوى والأحزاب والشخصيات من رؤيتها ونظرتها وبوصلتها، في ظلّ التغييرات القانونية والضمانات الإدارية والسياسية الممنوحة، وبروز مؤشرات تعكس صدق النوايا لإحداث تغيير جذري وشامل عن طريق الانتخابات، كوسيلة وحيدة للوصول إلى المؤسّسات. ولعلّ من العجائب السياسية والغرائب الانتخابية، أن "الثلّة" الرافضة والمهاجمة لكلّ شيء من أجل لا شيء، أصبحت للأسف تطلق "النار" على كلّ من ينزع إلى البدائل السلمية والسليمة، معتقدة أنها "منزّهة" وأن الجميع بما فيها الأغلبية المطلقة، "ما تعرفش صلاحها"، مدّعية ومتوهّمة في كلّ مرّة، بأن المخرج الافتراضي هو تعطيل الحلول! ولأن "الجزائر الجديدة" التي كانت حلم ومطلب الحراك الشعبي الأصلي والأصيل، تكفر بالأساليب الشيطانية المذمومة، سقطت "الشكارة" وتبخّر المال الفاسد، ولم يبق هناك مكان للتزوير و"التبوير"، وهو ما يفتح الأبواب على مصراعيها، للشباب والكفاءات وحاملي الشهادات الجامعية، ومختلف "القوى الحيّة"، من أجل دخول البرلمان القادم وبعده المجالس المحلية، للمشاركة في التغيير وصناعة القرار. لقد ظلت هذه "القوى الحيّة" خلال العهد البائد نائمة أو منوّمة، وفي أسوأ الحالات وأحسنها، مهمّشة ومهشّمة ومقصية ومبعدة، وتمّ فسح الطريق السريع والسيّار وكل الطرقات الولائية والبلدية والجبلية وحتى الأزقة عبر الربوات المنسية، أمام الرداءة والانتهازيين والوصوليين و"الغمّاسين" وآكلي الجيفة في كلّ الصحون والموائد السياسية والحزبية والانتخابية. هي دون شك، فرصة لمواصلة التغيير والتطوير مثلما ينبغي أن يكون، لكن ذلك، لن يتحقّق بالانسحاب والمقاطعة و"التغنانت" والهروب إلى الأمام ومحاولة تعجيز الآخر ووضع العقدة في المنشار والعصا في العجلة، وإنّما يكون بالمشاركة الإيجابية والمساهمة في إنتاج المبادرات والمقترحات العملية، وعرض البدائل الواقعية وأيضا بإظهار "حنّة اليدّين".. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.