نظمت جمعية الرحمة لمساعدة مرضى السرطان بالتنسيق مع المصحة الاستشفائية الخاصة "المولود"، بداية الأسبوع الجاري ببومرداس، حملة للتشخيص المبكر لسرطان الثدي، عرفت تجاوبا ملحوظا من طرف نساء من مختلف الأعمار، تقدمن طواعية للفحص المبكر، الذي يبقى السبيل الأنجع لتطويق حالات الإصابة بهذا الداء المتزايدة حسب المختصين، لأسباب مختلفة، لعل أهمها تخوف المرأة، مسبقا، من الإصابة بالسرطان المرتبط لدى العامة، بالموت المحقق. تلقى حملات التشخيص المبكر عن سرطان الثدي بمجتمعنا، اهتماما كبيرا، أضحى يزداد سنة تلو أخرى؛ إذ تساهم هذه الحملات، بشكل كبير، ليس في التعريف بهذا الداء والتوعية بأهمية التشخيص المبكر فحسب، وإنما كذلك في تطويق الإصابة به، من خلال الفحص المتخصص، والتوجيه في حالات الاشتباه. كما أن لها بعدا اجتماعيا؛ حيث تساهم في إنقاص تكاليف الفحص، وتشخيص الماموغرافيا ولو جزئيا، يبقى فقط على المرأة أن تكون إيجابية، وتدرك بنفسها أن تشخيص سرطان الثدي لا يعني الإصابة به حتما. كما أن الفحص المبكر يعني فرص شفاء تصل أحيانا إلى 100% إذا كان ذلك في بداية الإصابة، وهو ما يؤكد أهمية وسائل الإعلام في بث الرسائل التوعوية، والحث على الاهتمام بالصحة عموما. تخوّف من الفحص.. فالسرطان يعني الموت الحتميّ! هذه نتيجة توصلت إليها "المساء" على هامش إطلاق حملة التشخيص المبكر السبت الماضي بالمصحة الاستشفائية "المولود" الكائنة بوادي قورصو بولاية بومرداس، حيث تحدثت إلى نساء تقدمن طواعية من المصحة لإجراء فحص متخصص من طرف الفريق الطبي الذي أشرف على العملية. وقال بعضهن لا بد من تكرار الرسائل التوعوية على مدار السنة، خاصة في وسائل الإعلام الثقيلة، وفي أوقات الذروة؛ حتى تترسخ الفكرة، وتقبل النساء على التشخيص، فإحداهن (57 سنة) قالت إنها أهملت نفسها لسنوات طوال بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقها؛ كون زوجها يعمل في ولاية بجنوبنا الكبير؛ "حقيقة لم أجد الوقت لنفسي لإجراء تشخيص مبكر رغم علمي المسبق بأنه كلما كان أبكر كلما كان أحسن للمرأة، وكانت فرص النجاة منه أكبر إن كانت النتيجة إيجابية"، تقول محدثتنا أم أيوب، التي أضافت أن جارتها فارقت الحياة مؤخرا بسبب إصابتها بسرطان الثدي؛ ما جعلها تدرك أهمية التشخيص المبكر. وقالت تسعديت وهي طالبة جامعية في 20 سنة من عمرها إنها تقدمت طواعية لإجراء فحص مبكر بعد أن رأت النداء عبر فيسبوك، معتبرة ذلك فرصة أمامها لمعرفة سبب الوجع في ذراعها الأيسر، وإن كان لذلك أثر سلبي على الثدي الأيسر كذلك، داعية إلى تنظيم مثل هذه المبادرات الهامة المهتمة بالصحة العمومية. وبالمثل أشارت أم بلال (58 سنة) إلى أهمية التكثيف من حملات التشخيص المبكر، التي تساهم - حسبها- في كسر حاجز التردد، والخوف، كذلك، من النتائج السلبية؛ إذ تؤكد محدثتنا أنه أجري لها، مؤخرا، عملية جراحية لاستئصال الرحم بسبب تشخيص سرطان عنق الرحم في مرحلته المبكرة، كان ذلك خلال حملة تشخيص مبكرة عن هذا السرطان؛ ما جعلها تتقدم طواعية من المصحة المذكورة لإجراء فحص متخصص. وكذلك تحدثت كل من أم يانيس (38 سنة) وأم محمد (38سنة) عن أهمية اهتمام المرأة بصحتها عموما، ولكنهما اعترفتا بتخوفهما من فحص الثدي بسبب مصطلح "السرطان"؛ قالت إحداهما: "جدتي توفيت بسرطان الثدي، ووالدتي أصيبت به كذلك، ولكنها عالجته"، لتعترف بعدها بأن وحده التشخيص المبكر كفيل بإبعاد شبح الإصابة بسرطان الثدي.. فيما اتفقت كل محدثات "المساء" على أهمية استغلال فرص إقامة حملات تشخيص عن مختلف الأمراض المقامة بين الفينة والأخرى، والمراقبة المستمرة من المختصين؛ فالصحة غالية و"تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى". حملات تشخيص على مدار السنة عن حملة التشخيص قالت الدكتورة نادية مسيد طبيبة أمراض النساء والتوليد من الفريق الطبي المشرف على حملة التشخيص بمصحة "المولود"، إن المبادرة جاءت بالتنسيق مع جمعية الرحمة لمساعدة مرضى السرطان بولاية بومرداس خارج "أكتوبر الوردي"، وهذا من أجل ترسيخ ثقافة الوعي الصحي عند النساء تحديدا، حول أهمية إجراء تشخيص سرطان الثدي خاصة بعد 40 سنة، والمراقبة بعدها كل سنتين، قائلة بأن تنظيم هذه الحملة خارج شهر أكتوبر الوردي جاء ليؤكد على أهمية الفحص المبكر على مدار السنة، لا انتظار هذه المناسبة العالمية فقط، متحدثة عن ارتفاع حالات الإصابة بهذا السرطان حتى عند الشابات. كما اعتبرت المختصة أن أكثر حالات الإصابة تكون وراثية، إلا أن للنمط المعيشي دورا كذلك، لا سيما الوجبات المشبعة بالدهون، وقلة الحركة، وكذا التلوث، وغيرها من الأسباب، فيما تكمن الوقاية من السرطان مهما كان نوعه، في التشخيص المبكر، ومنه الأهمية التي تعكسها الحملات المنظمة بين الفينة والأخرى. وقالت رئيسة جمعية "الرحمة" السيدة مليكة رازي في معرض حديثها إلى "المساء"، إن جمعيتها بصدد التحضير لإطلاق حملة تشخيص مبكر عن سرطان البروستات لدى الرجال خلال جويلية القادم، معتبرة حالات الإصابة به عند الرجال في ارتفاع، تماما مثل سرطان الثدي عند النساء، متحدثة في هذا المقام عن اكتشاف عشرات حالات الإصابة بهذين النوعين من السرطان خلال حملات التشخيص التي تقوم بها الجمعية بالتنسيق مع عدة شركاء، وداعية إلى تسهيل تنظيم مثل هذه الحملات من خلال مد يد المساعدة والدعم لجمعيتها. وضمن نفس الحملة، التقت "المساء" بكل من سارة قعلول ونريمان طرفي وهما طالبتان في السنة الخامسة تخصص قابلة للصحة العمومية بالمعهد الوطني للقابلات بتيزي وزو اختارتا موضوع "القابلة والتشخيص المبكر لسرطان الثدي"، لمذكرة التخرج المنتظر مناقشتها شهر جوان القادم، وشاركتا في نفس الحملة من أجل دراسة عينات ميدانية؛ في محاولة للوقوف على مدى أهمية التشخيص المبكر لمحاربة هذا الداء. وفي معرض حديثهما إلينا، أكدتا أن من أهم الأسباب التي تجعل النساء لا يترددن على الفحص المبكر، التخوف المسبق من الإصابة بالسرطان؛ لثقل المصطلح، وارتباطه بالموت المحقق، فيما يكمن السبب الثاني في تكاليف الفحص المتخصص، لاسيما الماموغرافيا وغيرها.