هل يمكن أن نصدق مواقف إدارة الاحتلال الإسرائيلي باتجاه الفلسطينيين والعرب انطلاقا من مضمون البيان الذي أصدرته أمس وأكدت من خلاله قبولها الشروع في مفاوضات مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة. وشكل هذا الموقف مفاجأة لم يكن أي أحد ينتظرها وجعل المتتبعين يطرحون الكثير من التساؤلات حول حقيقة الموقف الإسرائيلي من عملية السلام كلها. ويكمن عنصر المفاجأة في كون مواقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة تضاربت من النقيض إلى النقيض وفي وقت قياسي فقد رفضت عملية السلام من أساسها وتوصيات مؤتمر انابوليس للسلام قبل أن تطالب الفلسطينيين بضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية مع كل النعوت العنصرية التي يمكن أن يحملها مثل هذا التصنيف ثم رفضت الحل على أساس مبدأ الدولتين وهي الآن تذهب إلى أقصى النقيض عندما أكدت استعدادها الدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة. وذكر بيان الحكومة الإسرائيلية أمس أن نتانياهو قبل باستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة وذهب إلى ابعد من ذلك عندما شدد الإشارة على أن نتانياهو لم يطالب أبدا الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كشرط مسبق لأية مفاوضات سلام. والمفارقة أن بيان نتانياهو جاء ثلاثة أيام فقط بعد لقاء جمعه بالموفد الأمريكي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل وأكد انه لن يقبل أبدا بمبدإ حل الدولتين الذي حمله المبعوث الأمريكي في حقيبته الدبلوماسية وراح إلى المنطقة لإقناع الحكومة الإسرائيلية به. ولكن رد ميتشل كان واضحا بنفس وضوح موقف الإدارة الأمريكية التي ترى في هذا الحل اقل الأضرار بالنسبة لكل الفرقاء بل أنها ترى فيه الحل الذي يضمن لها مصالحها في منطقة تعد قلب اهتماماتها وركيزة كل استراتيجيتها في العالم. فهل كانت تأكيدات ميتشل هي التي جعلت الوزير الأول الإسرائيلي يقتنع بضرورة إعادة النظر في شرطه المسبق التعجيزي وخاصة وأن الفلسطينيين والعرب اعتبروا أن عملية السلام قد قبرت دون رجعة بسبب هذا الشرط. ويكون الوزير الأول الإسرائيلي قد فهم الرسالة الأمريكية التي تسعى واشنطن فرضها حفاظا على مصالحها التي رأت أنها أصبحت مهددة بفعل صعود اليمين المتطرف إلى سدة رئاسة الحكومة الإسرائيلية. ويكون الوزير الأول الإسرائيلي قد تيقن أيضا أن موقف حكومته سيجعل من أول زيارة له إلى الولاياتالمتحدة يوم 18 ماي القادم منذ استلامه مهامه تبقى عديمة النتائج على أساس أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما يصر على فكرة حل الدولتين وبالتالي اضطر إلى إصدار بيانه المفاجئ. ولكن تجارب المفاوضات مع إسرائيل عودتنا أن لا نثق فيما يقوله مسؤولوها بدليل نتائج سير جولات المفاوضات التي تمت بين الطرفين سواء برعاية أمريكية أو دولية أو تلك التي تمت بمبادرة ثنائية أو برعاية مصرية والتي انتهت جميعها إلى نتيجة صفرية بل كارثية على مطالب الفلسطينيين الذين ذهبوا ضحية تسويف إسرائيلي مقصود. وكان من نتائج ذلك ابتلاع ثلث أراضي الضفة الغربية بمستوطنات ضخمة استوطنها أكثر من 200 ألف يهودي وجدار عزل عنصري جرد آلاف الفلاحين الفلسطينيين من أراضي أجدادهم وفي وقت حرم فيه اللاجئون الفلسطينيون من العودة إلى بلدهم الأم والأكثر من ذلك أن سياسة عنصرية جديدة بدأت ترتسم في الأفق تقضي بطرد كل العرب من فلسطين التاريخية بدعوى تطهيرها من غير اليهود دون الحديث عن خطة تهويد مدينة القدس الشريف وطمس معالمها الإسلامية وحتى المسيحية بدعوى البحث عن هيكل سليمان المزعوم. وحتى إذا سلمنا بأن إسرائيل ستستأنف مفاوضاتها مع الفلسطينيين دون شروط فهل معنى ذلك أن إدارة الاحتلال ستكون مستعدة للاستماع إلى المطالب الفلسطينية وتلبيتها وفق ما نصت على ذلك كل اللوائح الأممية واللجنة الرباعية ومؤتمر انابوليس، أم أن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم على طاولة مفاوضات مع مفاوضين أكثر تطرفا وتعجيزا ورفضا لأدنى المطالب الفلسطينية من كل المفاوضين السابقين؟ وهو الاحتمال الأكثر ورودا على أساس أن بيان الحكومة الإسرائيلية أمس لم يكن إلا مجرد وسيلة خداع للإفلات من الضغوط الدولية الممارسة عليها بعد موقفها العنصري الأخير الذي أكد على يهودية دولة إسرائيل ولن تلبث أن تنقلب عليه لاحقا. وهو ما يجعل الكرة في معسكر الولاياتالمتحدة التي يتعين على رئيسها أن يلقي بكل ثقله من أجل جعل إسرائيل تقبل بالحقوق الفلسطينية وبحل الدولتين الذي أكد أنه يؤمن به دون غيره من الحلول الأخرى.