يحيي العمال الجزائريون غدا الجمعة على غرار باقي نظرائهم في العالم اليوم العالمي للشغل. وما يميز احتفالات هذه السنة هو حالة ترقب دخول الزيادة في الأجور التي أقرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيز التنفيذ، واستكمال استصدار القوانين الأساسية للوظيف العمومي المتبقية والمقدر عددها ب24 نصا. احتفاء العمال الجزائريين بعيدهم السنوي يتزامن مع إجراء البلاد لانتخابات رئاسية أفرزت فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعهدة رئاسية ثالثة، وما يربط هذا الاحتفال بالانتخابات هو ما بدر من الرئيس من وعود لصالح هذه الفئة. والآن وقد تم تشكيل الحكومة التي تتكفل بتنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية فإن الأنظار ستتجه إلى الخطوات القادمة المرتقب اتباعها قصد تنفيذ تلك الوعود وبخاصة الرفع من الأجر القاعدي الأدنى المضمون المعلن عنه شهر فيفري الماضي في خطاب ألقاه الرئيس بوتفليقة في ارزيو بوهران بمناسبة الاحتفال بالذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين. وسيكون اجتماع الثلاثية القادم أهم محطة ينتظر منها العامل الجزائري أن تساهم في تحسين قدرته الشرائية وتمكنه من مواجهة متاعب الحياة اليومية خاصة مع الارتفاع غير المنتظر للمواد واسعة الاستهلاك رغم تنبؤ المراقبين الدوليين بتراجع أسعارها في الأسواق العالمية بفعل تأثير الأزمة المالية العالمية. فقد جاءت الإشارات التي أطلقها الرئيس بوتفليقة من ارزيو مطمئنة للعمال، كون أمر الزيادة في الأجر القاعدي أصبح واقعا وأن الثلاثية القادمة ما هي في الأصل إلا الإطار الذي يشرَّع لهذا القرار، لكن تبقى قيمة هذه الزيادة الموضوع الذي يغذي ترقب فئة العمال، كما أن الأصداء الواردة من دار الشعب مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين تتحدث عن أن الأجر الأدنى القاعدي قد يتراوح ما بين 13 ألف إلى 18 ألف دينار. وتأتي احتفالات هذه السنة أيضا في ظرف وضع فيه الرئيس بوتفليقة هدف إنشاء ثلاثة ملايين منصب شغل ضمن أولوياته خلال عهدته الرئاسية الجديدة في إطار مواصلة جهود الدولة للتخفيف من حدة البطالة التي سجلت في السنوات العشر الماضية تراجعا ملفتا حيث انخفضت من 30 بالمئة الى 11.8 بالمئة، وهي نسبة مرشحة للتدحرج أكثر وينتظر أن يساهم برنامج الإنعاش الذي رصد له حجم مالي يقدر ب150 مليار دولار في تحقيق هذا الهدف، إضافة الى برامج دعم الاستثمار الوطني والخارجي. وبمناسبة الاحتفال بعيد العمال لا يمكن الحديث عن حقوق هذه الفئة دون التطرق إلى القدرة الشرائية التي تعد وجها آخر لعملة واحدة اسمها الأجر الذي أصبح غير قادر على التصدي لالتهاب الأسعار في مواسم معينة وفي سائر أيام السنة. وفي هذا الإطار حرصت السلطات العمومية على التمسك بالقيم الاجتماعية المشتركة من خلال سهرها على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين أمام ارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق العالمية وانعكاسها على القفة اليومية للمواطن. ففي سنة 2008 وحدها تم تثبيت أسعار الخبز والدقيق بأنواعه والحليب مما استدعى دعما عموميا بمبلغ يقارب 190 مليار دينار بينما سيرتفع هذا المبلغ إلى 200 مليار دينار تقريبا بالنسبة لسنة 2009. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه ورغم التوجهات الجديدة للاقتصاد الوطني وتأثره المباشر بتحولات الأسواق العالمية إلا أن التكفل بالجانب الاجتماعي لا يزال يمثل أهم ركيزة في الإصلاح الشامل الذي باشرته الدولة، وعرف عالم الشغل منذ تولي السيد عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجمهورية اهتماما بالغا من خلال وضع أشكال عديدة ترمي كلها إلى النهوض بعالم الشغل مع الحفاظ على مناصب الشغل الموجودة وخلق أخرى ووضع هدف أسمى هو مكافحة ظاهرة البطالة. وعرفت السنوات العشر الماضية كذلك عدة إجراءات لفائدة هذه الشريحة وأبرزها اعتماد قانون الوظيف العمومي الذي مكن 1.6 مليون عامل في الإدارات العمومية من زيادات في الأجور، وشرعت وزارة التشغيل في تطبيق استراتيجية جديدة لترقية التشغيل في البلاد تعني بالخصوص شريحة الشباب وترتكز على تقديم تسهيلات كبيرة ليس فقط للشباب الحاصل على الشهادات العليا ولكن أيضا من خلال تمكين الذين لا يملكون تأهيلا تعليميا من ولوج عالم الشغل عن طريق عقود ما قبل التشغيل وتسطير هدف استحداث 450 ألف منصب شغل كل عام. وأكثر من هذا فقد باشرت الحكومة في عهد الرئيس بوتفليقة في تطبيق سياسة جديدة لتدعيم عالم الشغل عن طريق خلق ميكانيزمات وآليات تشغيل على غرار مشاريع دعم الشباب البطال الذي تتراوح أعمارهم بين 35 و50 سنة في إطار الصندوق الوطني للتأمين على البطالة، وكذا برامج خلق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن طريق الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب. ووعيا منها بالمشاكل التي تعترض إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فإن الحكومة ضمنت في إطار سياستها لترقية عالم الشغل تدابير لإزالة المعوقات الناجمة عن "بيروقراطية" البنوك والمؤسسات المصرفية، وتقرر في هذا السياق إدخال مرونة في عملية دراسة البنوك لملفات الشباب وقلصت من مدة دراستها إلى ثلاثة أشهر فقط. ومهما يكن من أمر فإن موعد الفاتح ماي سيكون محطة لتجديد العهد لتجاوز كل العراقيل التي حالت دون تصفية كل مشاكل العمال عن طريق الحوار باعتباره سلوكا حضاريا وساهم في تسجيل "نقاط" عديدة لصالح فئة العمال وكان من أهمها التوقيع على العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي الذي كان لبنة قوية في تكريس الحوار والتفاوض كمبدإ أسمى في تسوية كل الخلافات مع السلطات العمومية. وما يجعل هذا الخيار يحظى بالإجماع اليوم هو تشبث الحكومة ومنظمات أرباب العمل والمركزية النقابية وبعض النقابات المستقلة به.