قال الكاتب مؤنس بكاري ل "المساء"، إنه أراد من خلال روايته "وصية يوغرطة"، فتح قضية جرت وقائعها منذ أكثر من ألفي سنة، بغية منح الفرصة ليوغرطة للدفاع عن نفسه، وهو ما لم يفعله سالوست، المؤرخ الوحيد الذي كتب عن يوغرطة بشكل متحيّز فعلا. قدّم الكاتب مؤنس بكاري كتابه "وصية يوغرطة"، أول أمس، بمكتبة "شايب دزاير". وعلى هامش هذه الندوة تحدّث إلى "المساء"، عن هدفه من كتابة هذه الرواية التي تُعد أول إصدار له بعد عامين من البحث عن المعلومات التي تخص يوغرطة. وهكذا تحوّل بكاري المتخصص في المالية والحسابات، إلى كاتب رواية تاريخية نظرا لعشقه للتاريخ الجزائري خاصة القديم منه. وفي هذا قال ل "المساء" إنه وجد صعوبات كبيرة في إيجاد معلومات حول يوغرطة. واكتفى، في الأخير، بما كتبه سالوست المؤرخ الروماني، إلا أنه أمام عدم مصداقيته في تقديم معلومات صحيحة عن تواريخ وجغرافية الأحداث التي وقعت في زمن يوغرطة وكذا في إصداره تهما كثيرة عنه، اختار أن يكون مدافعا عن يوغرطة ملك نوميديا، ويكتب كتابا عنه. وأضاف أن تاريخ الجزائر القديم عرف بروز شخصيتين عظيمتين، هما ماسينيسا ويوغرطة، ليختار الكتابة عن الشخصية الثانية، التي قال إن الكتاب الوحيد عنها، هو بقلم سالوست، الذي كتب عن يوغرطة، لكن بدون ذكر أسباب تصرفاته، أو الظروف التي دفعت به إلى اتخاذ قرار معيّن، بل عكس ذلك، فقد أُطلق عليه صفة "موبيليتاس"، أي انه كان حكيما وشجاعا، لكنه في الوقت نفسه، متقلب المزاج، ونزق، وخائن أيضا. وتابع المتحدث أن سالوست لم يكن مؤرخا بأتم معنى الكلمة، بل شرع في الكتابة بعد إقصائه من الحياة السياسية. كما حكم نوميديا (الجزائر) عاما واحدا، حيث قدِم إليها مفلسا، وغادرها ثريا. وكان أيضا من العامة، ومن معجبي جول سيزار. وكان كارها للنبلاء ومن بينهم يوغرطة، حيث وصفه بأبشع الصفات، وطالب قراء كتابه بتفادي الاستغراب مما كتبه، لأن النوميديين كانوا جميعهم كذلك. وتساءل بكاري: "هل يقول سالوست الحقيقة؟". وأجاب أن في كتابه مغالطات كثيرة. وأضاف: "لا يمكن أن نصدر أحكاما على وقائع لم تحدث في زمننا! لقد دافع جون عميروش على يوغرطة لأنه بربري مثله. وقد هاجم محمد شريف ساحلي، نفس الشخصية، وأصدر أحكاما عليها، وناقض بذلك وظيفة المؤرخ في حد ذاتها، لهذا قررت أن أكتب عن يوغرطة، وأقدم له فرصة الدفاع عن نفسه". وأكد محدث "المساء" أنه غير موضوعي في كتابه هذا، "أليس ما كتبه رواية، حيث يمكنه أن يستعمل فيها خياله!"، مشيرا إلى أنه في كتاب سالوست وجد المدعي العام، ولكن لا يوجد محام عن يوغرطة، ولا حتى فرصة للمتهم في أن يدافع عن نفسه، بل أشبع يوغرطة تهما، وألصق به رغبة جامحة في الوصول إلى الأعالي وإن سحق الجميع في طريقه. وعاد مجددا ليتساءل: "أنا، أيضا، مثل سالوست، لم أحتك بيوغرطة، ولم أعش الوقائع التي حدثت له، فلِم لا يحق لي أن أكتب أيضا عنه، ويكون كتابي مقبولا، مثل ما هو عليه كتاب سالوست؟". واختتم مؤنس بكاري حديثه مع "المساء"، بالإشارة إلى حريته في كتابة هذه الرواية التي ألبسها رداء تاريخيا، ترجمه في العديد من النقاط، ومن بينها وضع فهرسة، يشرح فيها الجانب التاريخي لما حدث ليوغرطة، مع تأكيد حق يوغرطة في الدفاع عن نفسه حتى ولو لم يقل كل الحقيقة، فهو حر؛ لأن صاحب رواية "وصية يوغرطة"، حر أيضا.