تعرف هذه الأيام، الجزائر الجديدة، معركة حقيقية، على جبهتين، الأولى داخلية، والثانية خارجية، فمواصلة رئيس الجمهورية للقاءات الحوار والتشاور في إطار مبادرة لمّ الشمل واليد الممدودة، من أجل تقوية الجبهة الداخلية ورصّ الصفوف بالتوافق والاتفاق على أمهات القضايا المصيرية، ترافقها حركية دبلوماسية تعتبر بشهادة الصديق والعدوّ، سابقة غابت لعقود طويلة. ما يحدث مع إسبانيا، ليس سوى إصرار آخر من الجزائر على احترام سيادتها وحرية قرارها، وكذلك دليل على كلمتها الواحدة الموحّدة التي لا تتغيّر، عندما يتعلق الأمر بالقضايا العادلة وقضايا التحرّر، وأهمّها قضية فلسطين وقضية الصحراء الغربية، المرتبطتين بتصفية آخر مستعمرين يحتلان شعبين حرّين. مدريد شعرت ب"الخسارة" التي تسبّب لها فيها رئيس وزرائها، مثلما أحسّت باريس قبلها بهذه "الخسارة"، نتيجة اعتقاداتها الخاطئة التي سُجنت فيها نتيجة تغلغل اللوبي الاستعماري الرافض للاعتراف والاعتذار عن جرائم المستعمر، وطبعا من حقّ الجزائر، بل من واجبها أن تختار أصدقاءها وشركاءها، حسب ما تقتضيه مصلحتها، ووفق أعراف وتقاليد الصداقة والتعاون، وأيضا القاعدة التجارية "رابح-رابح". تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار، الموقعة مع إسبانيا في وقت سابق، يبقى مثلما أكدته وزارة الخارجية، قرارا سيّدا، وطبعا من حقّ الجزائر أن تنقض أيّ معاهدة أو اتفاقية، أو أن تراجع بنودها، أو تلجأ إلى إلغائها، في حالة تسجيل ضرر ما، أو تراجع من الطرف الآخر، وللجزائر حقها وواجبها الوطني في الدفاع عن مصالحها من دون عقدة ولا تردّد مع أيّ دولة شريكة، انقلبت على الاتفاقيات الثنائية، أو حاولت ليّ ذراع الجزائر. مصيبة بعض "المغرورين المغامرين"، أنهم اعتقدوا في لحظة جنون ونرجسية قاتلة، أنهم البديل الوحيد، ومخرج النجدة الأوحد، لكنهم ارتكبوا غلطة حياتهم، عندما تجاهلوا أو تناسوا، بأن للجزائر أصدقاء وشركاء أوفياء ونزهاء وموثوق فيهم، تربطهم معها علاقات اقتصادية واستراتيجية وتجارية وفق قاعدة "رابح-رابح"، وقد وجّه الرئيس تبون رسائل مشفّرة وأخرى واضحة وضوح الشمس، من معرض الجزائر الدولي، الذي كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية، ضيف شرفه، وستكون إيطاليا ضيف الشرف خلال الطبعة القادمة. الجزائر التي قرّرت تنويع مصادر تموينها والأطراف المتعاملة معها اقتصاديا وتجاريا، تُدرك جيّدا، أن هناك ماكرين ومخادعين و"منافقين"، قد يتبدّلون أو يبيعون أو يبرمون صفقات مشبوهة، مع جهات حربائية، في وقت من الأوقات، ولسبب من الأسباب، لكن هذا النوع من "الشركاء" سيصطدمون بصخرة الندم، ومنهم من بلغته هذه القناعة، بعدما قرّر الانتحار بمعاداة أرض الشهداء الأبرار، وارتمى إثر نزوة عابرة في أحضان موسومة بالخداع والخديعة على مرّ التاريخ والأزمنة! لن تلين الجزائر، أبدا، وهي حرّة وسيّدة في قراراتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، تجمعها مصلحة مشتركة مع من يريد إشراكها والتعاون معها، ولا تخشى لومة لائم، عندما يتعلق الأمر بمبادئها الخالدة ومواقفها الثابتة غير القابلة للتفاوض أو المقايضة، كما أنها لن تتأثر بوقاحة المتلوّنين ومؤجّجي الفتن الذين يطاردون السراب في سراديب التآمر والتخابر!