انتشرت، خلال الآونة الأخيرة، موضة جديدة في عالم الأزياء، إنها الملابس الجديدة المصنوعة من القديمة، أو بالأحرى ملابس تم رسكلتها لإعطائها حياة جديدة، تعرضها أشهر العلامات التجارية، وأصبحت تروج في الجزائر بشكل ملفت للانتباه، أسعارها مغرية تستهوي الزبائن. فبعد أن استيقظ الوعي البيئي عند الكثيرين حول العالم، يبدو أن الموضة، أيضا، تريد أن تأخذ هذا المنعطف، والتي بدأت في ممارسة ما يسمى باللاتينية "الاب سيكلينغ"، ويعني "إعادة تدوير الملابس"، إذ يتعلق الأمر بصنع جديد من القماش القديم، أو قصاصات القماش من ملابس قديمة، فهل نحن في فجر عهد جديد من الموضة، أم أسلوب جديد للتعبير عن التفكير الأخضر والصديق للبيئة، أم بكل بساطة، تسويق وتصنيع بأقل التكاليف، لاستقطاب شريحة أكبر من الزبائن، بالتركيز على هذا الاتجاه الجديد الذي يهز اليوم رفوف متاجرنا؟ يبدو أن العالم، اليوم، يرفع شعار "لا مزيد من النفايات" بعد الكوارث الكبيرة في حق البيئة، والتي أصبحت تهدد الحياة الطبيعية، والتوازن البيئي فيها، بسبب تجاوزات الإنسان، التي كانت وراء ظاهرة الاحتباس الحراري، وتداخل المواسم، والجفاف، واختفاء الكثير من الكائنات الحية التي انقرضت ولم تعد موجودة، كل هذا دفع بالكثيرين حول العالم إلى التفكير في سبل للتخفيف من حدة تلك "الأزمات"، والتي لا يمكن عكسها بعد أن أخذت أبعادا واسعة، وإنما فقط التقليل منها. ومن بين تلك السياسات يبدو أن إعادة تدوير الملابس أصبحت إحدى الموضات الرائجة خلال السنوات الأخيرة، والتي تبناها المستهلك الجزائري بدون تردد، وتقبلها بكل سهولة. وأصبح المستهلك الجزائري يحاول مواكبة ذلك الجديد من خلال المشاركة في هذا الترويج، بتقديم الملابس القديمة لبعض تلك المحلات الأجنبية والمتواجدة في الجزائر، والتي خصصت في مداخل محلاتها الكبرى، صناديق من الخشب، كتب عليها بالبنط العريض "اعط ملابسك حياة جديدة"، إذ ينطبق هذا على الملابس التالفة، والقديمة جدا، والقصيرة، والكبيرة جدا، والمترهلة، بكل بساطة تلك التي لم نعد في حاجة إليها. وفي هذا الصدد يقول يونس واعلي، ناشط جمعوي ومكلف بالاتصال لدى الجمعية البيئية "اليد الخضراء"، "إن مبتكري الاقتصاد "الدائري" هم أصحاب هذه الفكرة، التي أنشئت في دول أوروبية رائدة في مجال التصنيع، وانتقلت إلى الجزائر قبل سنة أو سنتين فقط. أعتقد أن هذا تمرين جيد في السلوك المسؤول"، موضحا أن تبني الجزائريين الفكرة والترحيب بها، أمر جيد، لا سيما أن اليوم يتم تسجيل تبذير وإسراف كبير في مجال الموضة نظرا للعديد من العوامل، وعلى رأسها طغيان تفكير مواكبة الموضة التي تروج لها الماركات العالمية المتخصصة في التصنيع، والمنافسة العظيمة في هذا المجال، والتي أصبحت تعرض ملابس تستميل كل الأذواق وبأسعار مغرية، تجعل الزبون يقتني ملابس حتى وإن كان في غنى عنها، أو لديه عشرات القطع منها، إذ يكفيه تغيير اللون بأن يشعره بالراحة عند مواكبته الجديد في هذا المجال، لا سيما عند ممارسة سياسة التخفيضات ما بين المواسم. ويضيف واعلي: "اصنع الجديد مع القديم"، وهي آخر ما تم التوصل إليه في مجال "إعادة التدوير المربح"، باعتباره بدون تكاليف، لأنه لا يوجد تحول في المادة، أي لا يوجد استهلاك للمياه أو الطاقة. ويتم استخدام الأقمشة كما هي، لصنع شيء جديد". وأوضح واعلي أن كل الأقمشة قد تحظى بحياة ثانية. وأضاف: "من الواضح أن هذا الاتجاه هو إنشاء شيء جديد من خلال إعادة قطعة ملابس غير مستخدمة إلى الحياة، لذلك تقوم العلامات التجارية بإعادة تدوير نهايات مخزونها وباقي الأقمشة المخصصة للتصنيع أو ما يسمى بخردة النسيج. في الواقع، كل ذلك للتقليل من النفايات، ومكافحة تفكير التبذير"، يؤكد واعلي. فبعد عقد مما يعرف بالموضة السريعة أو "الموضة الاستهلاكية" ومحاولة مواكبة الموضة الجديدة يوميا ورفض الاكتفاء بما لدينا في الخزانة من ملابس قد تكفي لسنوات عديدة أو شراء ملابس من موضة الموسم السابق، أدى ذلك إلى ظهور جبال من السلع غير المباعة. وقد آن الأوان للبحث عن سبل جديدة لطرح ذلك الفائض، والتفكير في سياسات فعالة للتقليل من حدة ذلك التطور في مجال "الموضة". وأكد واعلي أن الهدف من ذلك هو إعادة رسكلة ما لا يتم استعماله، فيكون بذلك لمصممي الأزياء القدرة على التخفيف من ميزانياتهم المخصصة لشراء المواد الخام، وصنع النماذج الأولية. كما يمكنهم الإبداع في تحويل قطعة قديمة إلى أخرى جديدة، وربح الوقت، والتقليل من النفايات. وعن كيفية معرفة ما إذا كان ما نلبسه من القطع المرسكلة أم لا، يؤكد المتحدث أن السياسات في هذا المجال صارمة وواضحة، إذ من حق المستهلك معرفة ما إذا كانت ملابسه مرسكلة، ويتم ذلك من خلال توضيح ذلك على رقعة الملابس، التي تشير، وبكل وضوح، إلى نسبة "الرسكلة" في تلك القطعة، والمادة الأصلية المصنعة منها من نوعية القماش، على أن تكون، كذلك، بأسعار مدروسة ومنخفضة مقارنة بأسعار الملابس الأخرى. الجدير بالذكر على عكس ما قد يعتقده المرء، أن فكرة إعادة تدوير الملابس ليست جديدة، فقد ولدت أسس إعادة التدوير في عام 1989، في أول عرض للأزياء الراقية للمصمم البلجيكي مارتن مارجيلا بلايز، الذي تخيل ملابس مصنوعة من أكياس بلاستيكية لإحدى أشهر العلامات التجارية. فبالنسبة له، يتعلق الأمر ب "رسكلة" الأشياء المستعملة يوميا، عن طريق تحويلها إلى قطع أزياء حقيقية. والهدف مواكبة الموضة، وارتداء ملابس عصرية مع تقليل تأثيرها على البيئة. وأقل ما يمكن قوله إن هذا المصمم كان صاحب رؤية، لأنه بعد 31 عاما، أصبحت صناعة الأزياء ثاني أكثر الصناعات تلويثا بعد صناعة النفط... فهي تنتج 1.2 مليار طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري كل عام، هذا أكثر من الرحلات الجوية الدولية وحركة المرور البحرية مجتمعة! فبعد أن أدركت بعض العلامات التجارية تأثيرها على البيئة، قررت التصرف، فبينما يذهب البعض إلى الأزياء الأخلاقية باستخدام المواد الطبيعية والصديقة للبيئة، يتبنى آخرون سياسة إعادة التدوير.