محطة تحلية مياه البحر بالمرسى بالضاحية الشرقية، محطة من بين عدة محطات موزعة على ولايات الوطن الساحلية اعتمدتها السلطات العمومية، للقضاء على أزمة شح المياه الشروب التي تعرفها مختلف مدن البلاد، ضمن خيار أنجع للقضاء على أزمة ما انفكت تزداد حدة من عام لآخر بسبب تراجع نسب التساقط السنوية، وبشكل متواصل والذي كان له أثره المباشر على منسوب مياه السدود والمياه الجوفية ومنه إلى حنفيات المواطنين. وللقضاء على هذه الندرة في شرق الجزائر العاصمة، تراهن السلطات العمومية على تشغيل هذه المحطة قبل نهاية الشهر الجاري، ضمن رهان وضعه القائمون على إنجازها لتضاف إلى محطة الباخرة المحطمة التي شكل دخولها حيز الخدمة شهر مارس الماضي، متنفسا حقيقيا لسكان هذه الضاحية من حيث التزود بمياه الشرب التي قيضت مضاجعهم لعدة سنوات. مثل خلية نحل يشتغل عمال ورشة إنجاز محطة المرسى على مدار الساعة، لاستكمال هذا المشروع الذي يكتسي أهمية كبرى لسكان البلديات المجاورة وإلى غاية وسط العاصمة، الحالمين بعودة المياه إلى حنفياتهم بصفة عادية ويومية، وطي صفحة السنوات العجاف بالنسبة لهذه المادة الحيوية. ولأجل ذلك وضعت الشركة الجزائرية للطاقة، المشرفة على المشروع من بين أولوياتها تشغيل المحطة قبل نهاية الشهر الجاري، ولو بخمس طاقتها الإجمالية المقدرة ب60 ألف متر مكعب يوميا ضمن رهان لتخفيف معاناة المواطنين ولو بقدر محدود إلى حين تشغيل المحطة بكامل طاقتها. ويقر سكان العاصمة، بأن التزود بمياه الشرب خلال الصيف الحالي ورغم محدوديته في بعض الأحيان إلا أنه أنساهم المعاناة التي كابدوها خلال فصل الحر من السنة الماضية، التي عرفت فيها أحياء العاصمة أزمة خانقة بسبب الانقطاعات المتواصلة للمياه عن حنفياتهم، وخاصة في الأحياء المدرجة ضمن قائمة "النقاط السوداء" مع تذبذب في عملية التوزيع لم يعشها المواطنون منذ حوالي عقدين كاملين. وشكلت أزمة صائفة 2021 صدمة لسكان العاصمة بعد عودة الانقطاعات واضطرت معها شركة "سيال" إلى وضع برنامج تناوبي لتموين الأحياء، والذي عرف اختلالات أدت إلى انتفاضة سكان بعض هذه الأحياء للتعبير عن درجة معاناتهم. صرخة في آذان صاغية وكانت آذان السلطات العليا في البلاد، صاغية لصرخة هؤلاء وجاء قرار رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، باعتماد مخطط استعجالي لإنجاز محطات تحلية مياه البحر باعتبارها الحل الأمثل لضمان الأمن المائي للمواطنين لوضع بداية نهاية هذه المعاناة، كونه لا يعتمد على الأمطار كمصدر غير ثابت وإنما على مياه البحر المحلاة كمورد دائم. وتكفّل مجمع "سوناطراك" عبر شركته الجزائرية للطاقة "أ. أو. سي" بالإشراف على هذا البرنامج الاستعجالي الضخم، القاضي بإنجاز محطات للتحلية بولايات الطارف وعنابة ووهران وبومرداس وتيبازة، بطاقة 300 ألف متر مكعب يوميا لكل واحدة منها، بالإضافة إلى 3 محطات موجهة خصيصا لسكان العاصمة ببلديات المرسى وبرج الكيفان وقورصو، بطاقة إجمالية تصل إلى 150 ألف متر مكعب يوميا. وشكل تشغيل أولى محطات هذا البرنامج بحي السفينة المحطمة ببلدية برج الكيفان شهر مارس الماضي، متنفسا حقيقيا لسكان هذه البلدية وبلديات مجاورة الذين عانوا الأمرين العام الماضي، جراء جفاف حنفياتهم إلا نادرا، ليأتي الفرج بدخول هذه المحطة حيز الخدمة وضمان تموين شبه يومي لأحياء منطقة برج الكيفان إلى غاية حي الحميز. وينتظر أن يحول تشغيل محطتي المرسى وقورصو، هاجس المياه في منطقة شرق العاصمة إلى مجرد ذكريات كونها ستضمن مستقبلا تزويد الساكنة ب150 ألف متر مكعب من المياه يوميا. ووقفت "المساء" في زيارة ميدانية إلى محطتي السفينة المحطمة والمرسى على حقيقة تقدم الأشغال، حيث التقت خلالها برئيس المشروعين بالشركة الجزائرية للطاقة سامي غزالة، الذي أكد أن استكمال المشاريع الثلاثة للعاصمة في آفاق 2025، سيمكن من إحداث قطيعة مع الاختلالات في التموين بالمياه، ويتنفس معها العاصميون الصعداء حتى في حال تسجيل شح في الأمطار. وقال إن مشاريع المحطات الثلاثة الموجهة لتزويد سكان العاصمة بمياه الشرب، تم إطلاقها ضمن مخطط استعجالي لتحلية مياه البحر بطاقة إجمالية تصل إلى 150 ألف متر مكعب يوميا موزعة بين محطة الباخرة المحطمة ب10 آلاف متر مكعب و60 ألف متر مكعب بالنسبة لمحطة المرسى و80 ألف متر مكعب بالنسبة لمحطة بلدية قورصو. وأشار غزالة، لتقريب الصورة إلى أن إنتاج 10 آلاف متر مكعب من المياه يوميا يعني تزويد 80 ألف مواطن بالمياه، وإنتاج 60 ألف متر مكعب يمس حوالي 600 ألف مواطن، فيما تزود 80 ألف متر مكعب من المياه المنتجة حوالي 800 ألف مواطن، بمعدل 100 لتر يوميا لكل مواطن. ودخلت محطة الباخرة المحطمة حيز الخدمة في 20 مارس الماضي، في آجال قال السيد غزالة، إنها "قياسية"، حيث مكّن تنسيق العمل مع شركة "كوسيدار" من "بذل جهود كبيرة أثمرت تحطيم رقم قياسي في مدة الانجاز التي لم تتعد ستة أشهر، بفضل العمل المتواصل على مدار ساعات اليوم والليلة. وتنتج هذه المحطة منذ دخولها الخدمة 10 آلاف متر مكعب يوميا، حيث أنتجت إلى حد الآن ما يقارب 1,2 مليون متر مكعب ضمن كمية وصفها رئيس المشروع ب"الهامة"، مؤكدا عدم تسجيل أي مشاكل تقنية منذ البدء في الإنتاج، رغم بعض الصعوبات الناتجة عن تلوث خليج العاصمة وانتشار الطحالب وبلح البحر، والتي تم التكفل بها بفضل دراسات أجريت حول طرق تطهير المياه من الشوائب. وسمح تواجدنا بهذه المحطة من لقاء مسيريها وعمالها الذين كانوا بصدد تجربة الخط الثاني للطاقة الكهربائية الذي وضع كاحتياطي لضمان التزود بالطاقة ومواجهة أي اختلالات محتملة، حيث تم التأكيد بعين المكان على وتيرة السير العادي للمحطة تزامنا ومواصلة الأشغال الأخيرة في الجزء الإداري للمحطة. كفاءات جزائرية.. ومحطة المرسى في اللمسات الأخيرة وسمح حديثنا إلى أحد إطارات الشركة الجزائرية للطاقة المكلفة بالإنتاج، الاطلاع على مراحل تحلية مياه البحر، حيث تمت الاستعانة بكفاءات من قطاع المحروقات لتسيير مشاريع تحلية مياه البحر بالنظر إلى الخبرات المعتبرة التي اكتسبوها. وتوجد عملية إنجاز محطة المرسى في مراحلها النهائية والتي تخص "التركيب الميكانيكي" و"استكمال أشغال التهيئة" وفق الشروح التي قدمها رئيس المشروع سامي غزالة، الذي كشف عن عمل متواصل للبدء في تشغيل المحطة في أجل لا يتجاوز 20 أوت الجاري، بهدف التخفيف من معاناة المواطنين لاسيما في شرق العاصمة، على غرار بلديات الرويبة والرغاية وهراوة، والسماح بتموين مناطق أخرى انطلاقا من السدود. وقال إن العمل يتم على مدار الساعة ودون توقف شتاء وصيفا لضمان استكمال المشروع في آجاله المحددة، مع العلم أن التشغيل سيكون تدريجيا بطاقة أولية تقدر بخمس الطاقة الإجمالية. ويتم إنجاز هذه المشاريع بكفاءات جزائرية محضة ما يعد تقدما ملفتا بالنسبة لهذا المجال، الذي مر بمراحل منذ الشروع في برنامج التحلية في 2001، بدء باستيراد محطات جاهزة ثم مشاريع شراكة ووصولا إلى مشاريع جزائرية مائة بالمائة، تعتمد على موارد بشرية وطنية والتعاون مع شركة "كوسيدار" والشركة الوطنية للهندسة والبناء التابعة لسوناطراك لإتمام هذه المشاريع. تجهيزات ذات تكنولوجيا عالية الدقة وتعليقا على هذا التطور الملحوظ قال المهندس غزالة، "اليوم بإمكاننا إنجاز محطات التحلية بقدراتنا الخاصة بفضل التجربة الكبيرة التي اكتسبها مهندسونا، رغم أن نسبة الإدماج مازالت محدودة إذ تعتمد عملية التحلية على تجهيزات ذات تكنولوجيا عالية الدقة لا تمتلكها إلا ست شركات متعددة الجنسيات في العالم"، مؤكدا أنه رغم ذلك تبذل جهود لإشراك شركات وطنية في هذه المشاريع، ضاربا المثل بمحطة الباخرة المحطمة التي تم فيها إدماج أنابيب مصنوعة بمستغانم. وبخصوص التوقفات التقنية لهذه المحطات أوضح أنها تتم من 6 إلى 8 أيام سنويا لتنظيف القنوات والتجهيزات، لكنها تتم بشروط أهمها عدم برمجة هذه التوقفات في الأعياد وشهر رمضان وخلال فصل الصيف. وقال غزالة، إنه بتشغيل محطة المرسى ثم تسليم محطة قورصو في جانفي 2023، سيشعر سكان العاصمة بتحسّن فعلي في التزود بالمياه لدرجة تحقيق اكتفاء في أحياء شرق العاصمة. التناضح العكسي" للحصول على ماء خال من الفيروسات ويطرح توفير المياه بصفة آلية مسألة نوعيتها وهو السؤال الذي طرحناه على محدثنا، الذي شدد على الالتزام الكامل بتوفير مياه صالحة للشرب ذات نوعية، مؤكدا أن تكنولوجيا "التناضح العكسي" المستعملة تسمح بالحصول على ماء خال تماما من المعادن والفيروسات، والتي تضاف إليه مكونات حسب الحاجة لاسيما الكالسيوم من أجل صلاحية الماء والكلور للتطهير. وقال إن المياه المنتجة تخضع للمعايير الجزائرية التي تتجاوز المعايير الموضوعة من طرف منظمة الصحة العالمية، بهدف حماية المواطن وكذا تجهيزات المحطة، وإذ طمأن المواطنين بل ونصحهم بشرب هذه المياه، فقد اعتبر أن الإشكالية موجودة في القنوات التي لا تتحمّل توقف المياه الذي يعرضها للأكسدة والصدأ، بما يستدعي تموين المواطنين على مدار الساعة إلى غاية إنجاز برنامج تجديد القنوات الذي لا يعد أمرا سهلا لاسيما في العاصمة. وبخصوص التزود بالكهرباء فقد ارتأى المشرفون على هذه المحطات الاعتماد على خطين لتجنب أي توقف، واختيار تكنولوجيات غير شرهة في استهلاك الطاقة وتقنية الاستعمال المسترجع الذي يمكن من تخفيض الاستهلاك إلى النصف. كما تم الأخذ بعين الاعتبار المسائل البيئية وخاصة وأن إنتاج 10 آلاف متر مكعب من المياه الصالحة للشرب يوميا يؤدي إلى استخراج 23 ألف متر مكعب من مياه البحر، ما يعني عودة 13 ألف متر مكعب إلى مصدرها ولكن بدرجة ملوحة أكبر، مما يستدعي معالجة هذه المياه لتخفيض ملوحتها وحماية البيئة المحيطة. وبنظرة عامة إلى مشاريع التحلية التي تم اعتمادها توقع سامي غزالة، أن يرفع عبء نقص المياه عن كاهل المواطنين في آفق سنتي 2024 – 2025، حتى في حال استمرار شح الأمطار، موضحا أن تحقيق الأمن المائي بصفة شبه كاملة سيتم باستكمال إنجاز محطتي كاب جنات وفوكة 2 بطاقة إنتاج تصل إلى 300 ألف متر مكعب يوميا لكل واحدة منهما، بما يمكن من تزويد 3 ملايين مواطن على مدار الساعة ويمكننا القول حينها "إننا تغلّبنا على الطبيعة".