اعتبر الفنان محمد صحراوي المدعو "موحو"، في حديثه ل"المساء"، أن عنوان معرضه المقام حاليا برواق "محمد راسم" إلى غاية 15سبتمبر الجاري، والمتمثل في "حب وحرية"، يعكس وبدقة متناهية، مسيرته الفنية، إذ أنه العاشق للفن التشكيلي والحر في التعبير عن خوالجه من دون أن يكون له أسلوب فني محدد، أو أنه تابع لمدرسة فنية معينة. وهكذا يرسم موحو بكل حرية، فهو حسب تصريحه ل"المساء"، لم يأت من عدم بل تأثر بالعديد من الفنانين الجزائريين والأجانب، كما استلهم من المدارس الفنية المتعددة ولم يختر لنفسه أسلوبا فنيا محددا، أبعد من ذلك، فقد أدخل على لوحاته الكاليغراف وكلمات لأغاني مست قلبه وأقوال شغلت ذهنه، إضافة إلى اعتماده على مواد مختلفة. وعن عنوان المعرض، قال موحو ل"المساء"، إن الفنان مانو كحلان هو من اختار له هذا العنوان، علما أنه التقى به في باريس، حيث يسكن موحو، وتحدثا عن إمكانية تنظيمه لمعرض له في الجزائر، فتحقق هذا الحلم وعاد صاحبنا إلى أرض الديار، ليس من أجل زيارة الأقارب وحسب، بل لعرض أعماله أمام الجمهور الجزائري، وهو ما لم يحدث له منذ عام 2001، حينما نظم معرضا فرديا له برواق "فنون"، وشارك في معرض جماعي أيضا في نفس العام. ورغم ارتحال موحو إلى باريس عام 2003، إلا أن قلبه بقي معلقا ببلده الأم، ليشكل تنظيم معرض له بالجزائر، حلما طالما ابتغى تحقيقه، خاصة أنه تلقى في السابق عدة وعود حول هذا الموضوع، فكان في كل مرة يزور فيها بلده، يأتي محملا بلوحاته ليعرضها من دون أن يتحقق ذلك. توقف موحو عند هذه النقطة، ودعا إلى تكاثف الفنانين مع بعضهم البعض، وهو ما سيشكل قوتهم، مذكرا بأن الفنان لا يمكن له أن يصنع نفسه بنفسه من دون أن يكون له محيطه الذي يسانده، ليقدم عبر منبر "المساء"، شكره الكبير للفنان كحلان الذي سعى إلى عرض أعماله في بلده. يعرض موحو في معرضه هذا، الذي يعرف إقبالا كبيرا من الجمهور، لوحات رسمها في فرنسا وأحضرها إلى الجزائر على دفعات، وأربع لوحات جلبها في سفريته الأخيرة، وأخرى رسمها في الجزائر، الشهر الفائت. وفي هذا يقول موحو "جئت إلى الجزائر، وبالضبط إلى عين بنيان، في 13 أوت الفارط، وحينما تأكدت من تنظيم معرضي في حدود 15- 17 أوت، بدأت في رسم اللوحات، لم يكن الأمر صعبا، فأفكاري كانت واضحة ويدي لم تتردد في ترجمتها إلى إبداع، كما أنني في العادة أرسم قرابة 15 لوحة في نفس الوقت، وهو ما فعلته هذه المرة، لتكون النتيجة مجموعة من اللوحات أعرضها حاليا برواق محمد راسم". وأضاف موحو أن حبه للتنوع في الرسم لم يثنه في أن تكون له بصمته الخاصة، حيث يبتغي أن تكون لوحاته مكثفة المواضيع والمواد والأفكار والألوان، وهو ما لم تعرفه بعض اللوحات المعروضة حاليا، ربما بفعل ضيق الوقت، مثل لوحة "حب وحرية"، ومع ذلك فقد قرر أن لا يضفي أي شيء على لوحته هذه، عكس ما هو معتاد عليه. وفي هذا قال أيضا "هناك لوحات رسمتها عام 2014، لكنني لم أقتنع بكمالها، فعدت عام 2015 إليها راكضا لأرسم عليها المزيد والمزيد، أحب أن تكون لوحاتي ممتلئة بالتقنيات والألوان، وربما حتى المواضيع، لأن حياتنا كذلك". تحدث موحو ل"المساء"، عن رسمه على المباشر في حفلات يقيمها أصدقاؤه، وفي مقدمتهم أمازيغ كاتب، حيث يشرع في رسم لوحة مديرا ظهره للجمهور، ثم يكمل رسمته أمامه. واعتبر موحو أن الموسيقى هي حافزه كي ينجز هذه اللوحات على المباشر، كما أنه يشارك في الحفلات نفسها بالرقص والغناء والعزف، وفي النهاية يقدم عمله أمام الجمهور، مؤكدا صعوبة ذلك، فهو في العادة يرسم في وقت أطول، ولا يقتصر عمله على لوحة واحدة على حدة، بل يرسم جملة من اللوحات دفعة واحدة. وقدم مثالا عن حفل أقامه أمازيغ كاتب عام 2011، أدخل موحو في نشوة كبيرة، خاصة مع عزف "بوتي موح" على آلة الموندول. كما ذكر أنه يرسم في هذه الحفلات، مثل التي أحياها الشيخ سيدي بيمول وعلي عمران وطاماش وغيرهم، وفق ريتم الموسيقى التي تعزف ومعاني الكلمات التي تؤدى. ويعرض موحو في معرضه هذا، جملة من اللوحات التي عبر فيها عن حبه للموسيقى، مثل لوحة "الغريب" التي كتب فيها كلمات أغنية "البراني" لأمازيغ كاتب، وقال فيها إن الجزائريين يشعرون دائما بالغربة حتى في بلدهم. كما استعمل موحو كثيرا اللون الأزرق في لوحاته، لأنه ابن البحر، فهو من مدينة عين بنيان (العاصمة)، كما رسم اليد (الخامسة) في العديد من اللوحات جلب منها أربع إلى الجزائر، كي يعرضها أمام الجمهور. أما عن المرأة فنجدها في العديد من لوحات الفنان، الذي ذكر ل"المساء"، حبه للمرأة التي يرى فيها والدته، مؤكدا دفاعه الشديد عن حقوقها، بالإضافة إلى أنها تمثل أيضا الجزائر. لوحات أخرى لموحو تضم الأوشام والرموز وكتابات غير مفهومة، قال عنها موحو "الكتابات غير مفهومة نسبة إلى النقوشات التي قام بها القدامى، والتي بفعلها أصبح الإنسان يكتب، لهذا فأنا أحاول إبراز الجانب التصويري لها، أما عن الأشكال الهندسية، فأنا معجب بمدرسة فازرلي التي جاءت ضد الانطباعية واقتصرت على رسم الأشكال الهندسية، لكن رغم تأثري بها، لم أستطع إلا أن أضفي عليها العاطفة، فلا يمكن أن أرسم من دون تأثر بأصولي". في المقابل، يعرض موحو أيضا مجموعة من اللوحات في فن الأكوارال، قال إنها عبارة عن يوميات متعلقة بالسفر، رسم عنها محطات من الحياة اليومية، مثل لعب أطفاله في الرمال أو رسمه لقصر بباريس، حيث يرسمها في دفتر أولا، ثم يعيدها من خلال فن الأركيليك، وكذا تقنية جاكسون بولوك، إذ يستعمل حقنة ويضع فيها الألوان، ثم يقطرها بشكل عشوائي على الرسمة، إلا أن موحو لا يحب أن يكون عمله عشوائيا، فيستعمل أنبوبا في شكل حقنة ويحول رسمته حتى تصبح شبه تجريدية أو تجريدية. رسم الفنان أيضا لوحة عن باب الوادي، تحديدا عن الفيضانات التي تعرضت لها عام 2001. كما رسم موضوع "حايك المرمة" من خلال رسمه لامرأة، واستعمل فيه قطعة خشب وكرتون ورمال. وفي هذا قال موحو، إنه أراد في هذا العمل أن يرسم العري، ولكن بشكل إبهامي، لأنه جزائري ولا يمكن له أن يرسم العري بشكل مبتذل، وهو نفس الشيء بالنسبة للوحة "شوفاج"، أي الصالحة للرؤية، حيث رسم هيئتين لرجل وامرأة ملتصقتين وأضفى عليهما اللون الأحمر، تعبيرا منه عن شدة حبهما والتصاقهما ببعض، إلا أنه فعل ذلك بشكل جميل وفني، يُمكن لزائر المعرض من مشاهدة هذه الأعمال بدون حرج. وصاحبت لوحات موحو، حقيبة لونها بالأزرق، نسبة للبحر، ورسم عليها قدمين، وكتب فيها مقولة لجلال الدين الرومي حول المنفى، وفي القاع بالقرب من الحقيبة كتب مقولة لإسياخم، قال فيها "بلد بدون فنانين بلد ميت، أتمنى أننا نكون أحياء"، وقال إنه عبر فيها عن المنفى الذي يشعر به كل من غادر بلده، وبقي معلقا به إلى الأبد.