لم يكتف الفنان التشكيلي المرموق دليل ساسي، بالمزج بين فن التصوير والفن التشكيلي والإعلام الآلي في لوحاته، بل اكتشف ألوانا لا تُرى بالعين المجردة؛ مثل الألوان ما تحت الحمراء وما فوق البنفسجية، وأضافها في أعماله المتميزة، التي يعرض بعضها، حاليا، في رواق "محمد راسم". 30 لوحة للفنان التشكيلي دليل ساسي تزين حاليا رواق "محمد راسم"، في معرض أطلق عليه عنوان "ما وراء المرئي"، حاول من خلالها الإجابة عن التساؤل التالي: "هل يمكن أن نصل إلى درجات عليا من الصفاء الروحي باستعمال التكنولوجيا؟". دليل صاحب المسار الفني العريق، لم يكتف بترجمة إبداعه عبر الفنون التشكيلية التقليدية، بل بحث بعمق، عن ألوان جديدة وتقنيات فريدة من نوعها. وفي هذا قال في تصريحات صحفية: "إنها ثورة صغيرة في الفنون التشكيلية، وهذا أمر مهم للغاية؛ فحتى الآن لا يكاد يوجد أي شخص في العالم يقوم بهذا العمل. وفي هذا السياق حاولتُ إعطاء صورة فنية أخرى للجزائر". وهكذا بغية الوصول إلى عالم يعلو فيه الصفاء ويسود فيه النقاء، تغلغل دليل في تدرجات الضوء، واستقوى بالألوان غير المرئية، ليعدل بذلك صورا التقطها لمناظر وعمران راقت له، من خلال استخدامه التكنولوجيا، وبالضبط أداة الكمبيوتر للمعالجة الرقمية للصورة. وفي هذا قال الفنان: "لتقديم مثل هذه اللوحات يجب إتقان التصوير وعلوم الكمبيوتر والفنون المرئية. كما توصلت إلى تحديد عدد الألوان الفريدة التي يتكون منها العمل، وعددها مذهل فعلا". وأضاف أنه أدخل الفيزياء في تجسيد أعماله، من خلال استعماله تقنية الألوان الضوئية في رسم لوحاته الفنية بعد دراسة معمقة حول هذه التقنية استغرقت 5 سنوات كاملة، مشيرا إلى اكتشافه ألوانا لم يستطع الإنسان في الوقت الراهن أن يدركها، على غرار الألوان ما تحت الحمراء وما فوق البنفسجية. وتابع أن الألوان الموجودة في الضوء غير مرئية للعين المجردة، وأنه اكتشف سرها بفضل البرامج الاحترافية للكمبيوتر. وهكذا استطاع "رسام الضوء" استخدام مئات الآلاف من الألوان الفريدة، ثم انتقاء ما شاء منها، ووضعها على اللوحة باستخدام طابعات فائقة التطور. وقدّم الفنان في معرضه هذا لوحات فرضت نفسها بألوانها بالدرجة الأولى، ومن ثم بمواضيعها، وهنا نجد لوحة "أروع غروب شمس"، التي طغى عليها اللونان الأحمر والبرتقالي، ونفس الشيء بالنسبة للوحة "غير معقول". إلا أنه أضفى عليها اللون الأزرق، ورسم فيها مركبا حتى يبرز موضوع اللوحة التي اختلطت فيها ألوان السماء والبحر. لوحة أخرى حملت عنوان "الرسالة"، رسم فيها هيئة رجل يركب دراجة، قد يكون حاملا لرسالة في وسط تمتزج فيه الألوان الصاخبة. كما رسم ساسي شجرة تعرت من أوراقها، قد يكون رمز الوضوح، إضافة إلى رسمه مقعدا خاليا من الجالسين. ورسم دليل لوحة "التأمل"، التي لخص فيها حبه للدمج بين عالمين قد يبدوان منفصلين عن بعضهما البعض، إلا أنه يمكنهما أن يتداخلا فيها بينهما، فرسم رجلا يتأمل شساعة الصحراء، مؤكدا قدرته على التعبير عن مواضيع روحانية باستعماله تكنولوجيات عالية. ودائما في سياق الروحانيات، رسم دليل لوحة "المنعزل"؛ شجرة شامخة وسط طبيعة تغمرها الحمرة. كما رسم لوحة "الألوهية"، وعبّر فيها عن انبهاره بمعجزة الشمس حينما تغرب، وكل الألوان التي تصاحب هذه العملية؛ وكأنها تحاول أن تُخرج لنا مشهدا سماويا عظيما. كما عبّر الفنان عن ميله إلى الموسيقى من خلال اختياره عناوين تدل على ذلك، مثل لوحة "لحن"، التي رسم فيها شجرة عارية من الأوراق، باسطة أغصانها تحت سماء اختلطت ألوانها وانعكست على جدول رقراق، وكذا لوحة "قائد أوركسترا"؛ حيث رسم شجرة مثل أغلب سابقاتها، تخلت عن كل شيء بما فيها أوراقها، وقابلت خالقها حرة، فكانت، بالفعل، شجرة سامقة، رافعة أغصانها إلى السماء. ورسم دليل لوحات تجريدية فعلا، مثل لوحة "ألوان تجريدية"، و"انصهار تجريدي"، و"دوران تجريدي". كما رسم لوحات مضيئة تغمرها ألوان، أحيانا تحاول أن تنفصل عن بعضها البعض. وفي مرات أخرى تسعى إلى الانصهار فيما بينها. وبالمقابل، اهتم دليل برسم معالم أثرية جزائرية مثل قصر الباشا، الذي خصص له ثلاث لوحات كاملة في معرضه هذا، إضافة إلى لوحة "قصبة الأنوار"، و"بحرية الجزائر". كما رسم البحر في أكثر من لوحة.