يعتبر المجاهد ياسف سعدي، الذي وافته المنية العام الماضي، أحد صنّاع معركة الجزائر ضد الجيش الاستعماري الفرنسي وقائد المنطقة المستقلة بالجزائر العاصمة، وهو أيضا من أوائل رافعي تحدّي نقل التاريخ، من خلال نشر مذكراته وتأسيسه لأول شركة إنتاج سينمائي جزائري غداة الاستقلال. ونشر سعدي، في 1962، أول كتاب له بعنوان "ذكريات معركة الجزائر: ديسمبر 1956- سبتمبر 1957" الذي ألفه أثناء فترة اعتقاله، قبل أن يؤسّس أول مؤسسة إنتاج سينمائي تحت اسم "قصبة فيلم" في 1964 والتي أنتجت الفيلم التاريخي الجزائري الأكثر شهرة والأكثر توزيعا في الخارج "معركة الجزائر" لمخرجه الإيطالي جيلو بونتيكورفو. والجزائر، التي تحتفي هذا العام بستينية استرجاع سيادتها الوطنية، تحصلت على أول جائزة سينمائية عالمية لها بفضل هذا الفيلم وهي جائزة "الأسد الذهبي" من مهرجان البندقية السينمائي الدولي بإيطاليا في 1966، كما رشح العمل مرتين لجوائز "الأوسكار" في 1967 و1969. كما تحصل هذا الفيلم، الذي يشهد على مسيرة كفاح الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي من خلال البطولات الشعبية لسكان قصبة الجزائر العاصمة، على العديد من الجوائز بالولايات المتحدة وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة، واختير أيضا ضمن أفضل الأفلام السينمائية عبر التاريخ. ويؤدي ياسف سعدي في هذا الفيلم دوره الخاص إبان الثورة التحريرية، كما أن كتابه سالف الذكر هو الذي ألهم سيناريست هذا العمل، الإيطالي فرانكو سوليناس، على إنجاز نصه، كما تميز الفيلم أيضا بموسيقاه التي وضعها الموسيقار الإيطالي الشهير، إينيو موريكوني. ووفقا لمتحف السينما الجزائرية (السينماتيك)، فإن "معركة الجزائر" يبقى الفيلم الجزائري الأكثر مشاهدة والأكثر طلبا من طرف متاحف السينما والجامعات عبر العالم، كما أنه لا زال يعرض إلى اليوم في الكثير من المهرجانات، بالإضافة إلى الدورات المخصّصة للسينما الجزائرية. وقبل هذا العمل الرائع، أنتجت "قصبة فيلم" في 1964 فيلمها الوثائقي "يد حرة"، الذي أخرجه الإيطالي، إنيو لورانزيني، بمساعدة المخرج محمد زينات، كما شاركت بعدها في 1967 في إنتاج فيلم "الغريب" للمخرج الإيطالي لوتشينو فيسكونتي والمقتبس عن رواية شهيرة بنفس الاسم للروائي الفرنسي ألبير كامو. وفي عام 1967، أنتجت المؤسسة فيلم "ثلاثة مسدسات ضد سيزار" لمخرجه الإيطالي إينزو بيري، والذي اعتبر أول فيلم ويسترن إفريقي وعربي، بعدها ابتعد سعدي عن المشهد السينمائي متنازلا بالمجان عن عتاد مؤسسته إلى المنتج العمومي "الديوان الوطني للتسويق والصناعة السنيمائية". للإشارة، ولد ياسف سعدي في 1928 بقصبة الجزائر العاصمة، وتحصل على شهادة تعليم ابتدائي، إلا أنه توقف عن الدراسة في سن الرابعة عشرة، ليعمل بعدها في مخبزة عائلية رفقة والده الذي كان نقطة اتصال هامة بين مناضلي حزب الشعب الجزائري. وانضم سعدي ما بين 1947 و1949 إلى المنظمة الخاصة، الجناح شبه العسكري لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وفي سنة 1954، تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية، تم تكليفه مرفوقا بقادة جبهة التحرير الوطني، بتشكيل "كومندوس" على أهبة الاستعداد للتحرك، كما استقبل بمنزله بالقصبة العديد من الثوار والمناضلين وقادة الثورة. وعين سعدي أيضا مسؤولا عن الجناح العسكري للمنطقة العسكرية المستقلة، وبالنظر الى نجاحه الميداني، فقد قرر قادة الثورة تركيز الكفاح في وسط العاصمة حيث تتواجد الصحافة الدولية والسلطات الرسمية الاستعمارية. وتم تعيين سعدي أيضا قائدا للمنطقة المستقلة بالجزائر العاصمة في 1957، وقد شارك، رفقة حسيبة بن بوعلي وعلي لابوانت وزهرة ظريف وعائلة بوحيرد والعديد من الفدائيين الآخرين، في تكثيف العمل الفدائي بالعاصمة. وتابع سعدي كفاحه المسلح الى غاية توقيفه في 23 سبتمبر 1957 حيث تعرض لأشد أنواع التعذيب وحكم عليه بالإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ إذ تم تحريره بعد وقف إطلاق النار. وتوفي ياسف سعدي في 10 سبتمبر 2021 بالجزائر العاصمة عن 93 عاما.