هل سيكون بوسع أكاديميات كرة القدم، التي استحدثتها الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، استبدال الأندية في مجال تكوين الفئات الشبانية؟ نفس السؤال يمكن طرحه، فيما يتعلق بالمدارس الخاصة في التكوين، التي حصلت على إذن خاص من وزارة الشباب والرياضة، وهي موجودة الآن في بعض الولايات ومسيرة من طرف أهل الاختصاص في كرة القدم، مثل المدربين واللاعبين القدامى. الجدير بالذكر، أن التكوين في رياضة كرة القدم تراجع عندنا بشكل مذهل، وفقد منذ سنين طويلة قيمته وشهرته، بعدما ذهب ضحية المشاكل العويصة، التي تتخبط فيها كثير من الأندية التي كانت معروفة بتقاليدها في هذا المجال، ومنحت للجزائر فيما سبق، نجوما كروية كبيرة، برزت على المستوى الدولي عبر مشاركتها مع الفريق الوطني في نهائيات كأس العالم، وفي الكثير من الدورات الدولية المرموقة، فما بالك بمساهمته المباشرة في رفع مستوى البطولة، في كل الدرجات. غير أن بداية التوجه الجديد ل"الفاف" في التكوين عبر الأكاديميات والمدارس الخاصة، الذي انطلق سنة 2019، لم يكن بالهين عليها، بسبب الاضطرابات التي عرفتها أكاديمية بلعباس، خلال الأسابيع الماضية، في مجال التكفل ببعض الفئات العمرية من اللاعبين الشباب، وما نتج عن ذلك من تبادل التهم في تحديد المسؤوليات، علما أن هذه الأكاديمية فتحت أبوابها في شهر جوان الفارط، واستقبلت عددا من عناصر الفئات العمرية، تم انتقاؤها في دورات كروية، كانت محل تنظيم ومتابعة من طرف المديرية الفنية الوطنية للاتحادية الجزائرية لكرة القدم، التي يرأسها توفيق قريشي، بالتعاون مع اختصاصيين اثنين من إسبانيا، يتعاملان مع "الفاف" في هذا المجال، هما جيرون لاشفتني وكونكو، انتقلا لهذا الغرض إلى عدة ولايات من الوطن، وقاما بمعاينة ستة آلاف وستمائة شاب، تم انتقاء من بينهم ما يقارب ثلاثين شابا، تم توجيههم مباشرة إلى أكاديمية مدينة خميس مليانة، حيث يخضعون للتكوين في ميدان كرة القدم، ويزاولون دراستهم بالاتفاق مع أوليائهم، وللاتحادية أيضا مشروع بناء أكاديمية بمدينة تلمسان لا زالت في طور الإنجاز، ومن المنتظر أن يتم استحداث أكاديمية مماثلة، في بعض الجهات من الوطن. أكاديمية سيدي بلعباس... فشل في التسيير كانت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، قد توجهت إلى استحداث هذا النوع من الأكاديميات، في سعيها لإعطاء دفع جديد للتكوين في رياضة كرة القدم، بعد تراجع كبير وفاضح لدى معظم الأندية في هذا المجال، الوضع تطلب التوجه إلى الاعتماد على الأكاديميات التي تعتبرها "الفاف" وكثير من الاختصاصيين في هذه الرياضة، المنفذ الوحيد في الوقت الراهن، لتحضير التعداد المستقبلي لمختلف المنتخبات الوطنية، غير أن التوجه نحو هذا الخيار في رياضة كرة القدم لا زال محفوفا بالمشاكل العويصة، التي تقف حجرة عثرة أمام تحقيق الأهداف المرجوة، والدليل على ذلك، الوضع الغامض الذي تتخبط فيه أكاديمية سيدي بلعباس، التي عجز مسؤولوها على التوصل إلى ضبط تسيير محكم في المركز، لاسيما في مجال التموين الغذائي والتغطية الطبية والصيانة والتدريس المخصص لهذه الفئات العمرية من اللاعبين الشباب. حيث كشفت بعض المصادر المطلعة على الوضع داخل الأكاديمية، أن هذه الأخيرة لا تتوفر على ميزانية خاصة بها، فهي تعتمد في هذا الجانب على الوصاية، أي الاتحادية، وأن كل احتياجاتها في مجال التموين مرتبطة أساسا بما تقدمه لها هذه الأخيرة، وعادة ما تتأخر الميزانية المخصصة للأكاديمية، فيلجأ مسؤولوها إلى اقتناء كل الاحتياجات لدى الممونين الخواص في شكل استدانة، سواء تعلق الأمر بالمواد الاستهلاكية، مثل الخضر والفواكه والأطعمة واللحوم والمياه المعدنية، وسلع الصيانة والحاجيات الطبية، وغيرها من المستلزمات الأخرى، التي لها علاقة بحسن تسيير الأكاديمية، منها بشكل خاص، استقدام أساتذة من الثانويات والمتوسطات التعليمية، ولم تتوصل الأكاديمية إلى غاية اليوم، من تسوية جميع ديونها، ولا يستبعد لجوء الدائنين إلى العدالة لاسترداد أموالهم، حسب ذات المصادر. وقد كانت هذه الأكاديمية خلال الأسابيع الأخيرة، محل إثارة إعلامية كبيرة، بعد السجال الكبير الذي وقع بين المديرية الفنية الوطنية ل«الفاف"، التي يقودها توفيق قريشي مؤقتا، وأولياء اللاعبين التابعين لهذه الأكاديمية، بعد أن تأخر فتح أبوابها للاعبين المتربصين الذين تعذر عليهم الالتحاق بها في الوقت المحدد، لعودتهم إليها، وتزامن ذلك مع تصريح المدرب الوطني لأقل من 17 سنة، رزقي رمان، الذي قال إنه يفضل مواصلة عمله على مستوى الأكاديمية الفدرالية الأخرى، المتواجدة بمدينة خميس مليانة، عوض البقاء في أكاديمية بلعباس، التي عمل فيها لمدة سنتين، واختار منها أغلب اللاعبين، الذين شكلوا المنتخب الوطني لهذه الفئة، الفائزة مؤخرا بلقب البطولة العربية. ولم تقدم الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، توضيحات بخصوص الوضع السائد في هذا المرفق الرياضي التكويني، لكنها أعلنت عن إعادة فتح أبوابه، بعدما كان مستقبل هذه الأكاديمية قاب قوسين، أي بين استمرار نشاطها أو غلق أبوابها بصفة نهائية، وتجدر الإشارة، إلى أن الوضع الذي تعيشه أكاديمية بلعباس، مغاير تماما للوضع الذي تتميز به أكاديمية خميس مليانة، التي تتوفر على كل المستلزمات العصرية للفئات الشبانية الخاضعة للتكوين. انتقادات لاذعة للمديرية الفنية لم تسلم المديرية الفنية الوطنية، التي يرأسها توفيق قريشي في الوقت الحالي، من الانتقادات، حيث أعيب عليها منح الأولوية في التكوين للفئات العمرية الخاصة بسن السابعة عشرة فما فوق دون سواها، أي أن المديرية الفنية لا تسمح للفئات الشبانية الصغيرة، الاستفادة من التكوين في الأكاديميات الموجودة تحت تصرف "الفاف"، ويعد هذا التوجه خاطئا في نظر بعض الاختصاصيين الملمين بجانب تكوين الفئات الشبانية، معتبرين أن الأكاديميات يجب أن تخصص لكل الفئات الشبانية بدون استثناء، مثلما يتم العمل به في البلدان المتطورة في كرة القدم، فهل تعيد المديرية الفنية الوطنية حساباتها، في الاستراتيجية التي ضبطتها في مجال التكوين، أم ستضرب عرض الحائط اقتراحات الاختصاصيين في مجال تكوين الفئات الشبانية؟ أكاديمية خميس مليانة... الاستثناء المفارقة الكبيرة في إعداد أكاديميات كرة القدم من طرف الاتحادية، نجدها في الوضع الجيد الذي يميز أكاديمية خميس مليانة، حيث التكفل بالفئات الشبانية على مستوى هذه الهيئة الرياضي، يكتنفه التسيير المتلائم مع نمط إعداد هذه الفئة من اللاعبين، سواء من حيث التكوين الرياضي والدراسي والبيداغوجي، وهو العامل الذي جعل المدرب الوطني رزقي رمان، يطالب بالتنقل إلى أكاديمية خميس مليانة لمواصلة عمله مع هذه الفئة، علما أن هذه الأكاديمية هي الأولى ضمن برنامج الاتحادية، الرامي إلى إنشاء أكاديميات لكرة القدم عبر الوطن، وقد كانت محل اهتمام كبير من طرف "الفاف"، أثناء تواجد خير الدين زطشي على رأس الهيئة الفدرالية في 2019، والذي أولى لها أهمية كبيرة، من خلال توفير كل وسائل العمل فيها، وتخصيص تأطير فني جزائري يؤدي مهمته، بالتنسيق مع تقنيين إسبانيين لهم خبرة طويلة في التكفل بالفئات الشبانية، وعلى عكس ما حدث من مساوئ التسيير في أكاديمية بلعباس، استفادت مثيلتها في خميس مليانة بكل وسائل التموين، ولم يشتكي مسيريها في هذا الجانب، فضلا عن أن هذه الأكاديمية تمكنت من مواجهة، بعض الصعاب أثناء فترة انتشار فيروس "كورونا"، عبر تخصيص دروس عن بعد للاعبيها وإعداد برامج تدريبية فردية لهم، مما سمح لهؤلاء بالحفاظ على حالتهم البدنية والمعنوية، والرجوع إلى الأكاديمية في أحسن حال، بعد تراجع انتشار هذا الفيروس. المدرب محمد ميهوبي: يجب تحديد المسؤوليات في تسيير الأكاديميات ثمن المدرب محمد ميهوبي، خطوة الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، الرامية إلى استحداث أكاديميات تخص هذه الرياضة، قائلا إن الفئات الشبانية توجد اليوم بحاجة إلى تأطير حقيقي ومنظم، يسمح لهم بتحقيق طموحاتهم. إلا أن محدثنا، أكد أن فتح أكاديميات يتطلب بعض الشروط، لضمان نجاحها في المستقبل القريب، حيث قال في هذا الشأن: "انطلاق أكاديميات كرة في الجزائر، يجب أن يؤسس على قواعد انضباطية حقيقية، ولا وجود للعمل العشوائي أو الفوضوي.. تسييرها يجب أن يخضع لنظام هرمي، أي تحديد المسؤوليات على كل شخص له مهمة واضحة في الأكاديمية التي يعمل فيها". كما ألح محدثنا على ضرورة توفير شروط أساسية، تضمن السير الحسن اللائق لهذه الأكاديميات، عبر توفير ميزانية خاصة لها، لا تشوبها عيوب ولا نقصان، موضحا أن توفير مستلزمات تسيير الأكاديمية من الناحية المادية، يعد الجانب الأقوى في ضمان نجاح هذه الأخيرة: "الأكاديمية لا يمكن أن تكون مجرد مدرسة تكوينية رياضية، لأن لاعبيها يمثلون مستقبل كرة القدم في بلدنا، ولابد من توفير الشروط الأساسية لاستمرارها ونجاحها.. اللاعب الذي يخضع للتكوين الرياضي والدراسي والبيداغوجي، يجب أن يشعر بالاطمئنان، الذي يسمح له ببذل مجهودات كبيرة في شتى النشاطات، التي يقوم بها في هذه الأكاديمية التي استقبلته، لاسيما أن طموحه الكبيرة ستسمح له في المستقبل باللعب في أندية محترفة كبيرة"، أوضح المدرب محمد ميهوبي، الذي أجاب عن الآراء، التي تتمنى أن تستقبل أكاديميات الاتحادية الجزائرية لكرة القدم كل الفئات الشبانية، حيث أجاب على هذه النقطة قائلا: "لا يمكن من الناحية التطبيقية، وحتى من الجانب الإنساني، قبول في الأكاديمية، أطفال أو براعم لا يتجاوز عمرهم ثلاثة عشر سنة.. لأن الطفل في هذا السن لا زال بحاجة إلى حنان عائلته، ولا يستطيع بالتالي، التأقلم مع الجو داخل الأكاديمية.. لذلك أفضل أن يتم التكفل في الأكاديميات بالفئات الشبانية، التي تتجاوز على الأقل خمسة عشر سنة، حيث يكون بوسع هذه الفئة التأقلم مع النظام الرياضي الدراسي والبيداغوجي المعتمد داخل الأكاديمية". نصر الدين دريد: لا بد من مراقبة مدارس التكوين الخاصة عبر اللاعب الدولي السابق، نصر الدين دريد، عن خشيته من فشل تجربة بعث أكاديميات كرة القدم من طرف الاتحادية الجزائرية، وقد استدل في كلامه بالفوضى والتوتر اللذان حصلا مؤخرا، داخل أكاديمية مدينة سيدي بلعباس. قال دريد، إن الذي حصل في هذه الأكاديمية، يجب أن لا يحدث في كل الأكاديميات التي تريد "الفاف" استحداثها عبر التراب الوطني: "نجاح الأكاديميات مرهون، حسب نظري، بضرورة منح هذه الأخيرة الاستقلالية في التسيير، لاسيما في الجانب المالي، وليس تركها تتخبط في مشاكل عويصة، مثلما حدث لأكاديمية بلعباس، التي غرقت في الديون بسبب عدم استفادتها من ميزانية خاصة". ويعتقد دريد نصر الدين، أن مسألة التأطير الفني لهذه الأكاديميات لا يطرح أي مشكل، لأن الجزائر تتوفر على تقنيين أكفاء، لهم القدرة على إعداد نشأ جديد في رياضة كرة القدم ، لكن يتعين - أضاف محدثنا - وضع هؤلاء التقنيين والمدربين في أوضاع جيدة، تسمح لهم بأداء مهامهم على أحسن وجه. يرى دريد أن استحداث الأكاديميات، لا يجب أن يكون ذريعة أمام الاتحادية، لكي لا تقوم بمسؤولياتها تجاه الأندية في مجال التكوين: "الأندية تتلقى مساعدات من الدولة، وهي مجبرة على التكفل الجيد بجانب التكوين، فعلى "الفاف" وحتى وزارة الشباب والرياضة، فرض مراقبة على هذه الأندية، لكي تتكفل هذه الأخيرة بالفئات الصغرى، حتى لا تخضع لتكوين عشوائي لا يضمن لها أي مستقبل في رياضة كرة القدم".