مواجهين قصف طائرات "أباتشي" وتحليق "استطلاع" فوق سماء جنين ومدرعات وقوات مدججة بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، قابل سكان المدينة المنكوبة ومخيمها الجريح بصدور عارية واحدا من أبشع الاعتداءات الصهيونية، التي خلّفت في حصيلة أولية استشهاد ثمانية فلسطينيين وعشرات الجرحى. وهو ما يعيد طرح السؤال، حول متى تتحرك المجموعة الدولية لتنصف الشعب الفلسطيني وتحاسب المحتل الصهيوني على جرائمه التي تعدّت كل الخطوط الحمراء؟. مثل هذا التساؤل يبقى مطروحا دون إجابة والعالم لا يزال في موضع المتفرج على ما تقترفه قوات الاحتلال الصهيوني من جرائم وإعدامات واقتحامات واعتداءات تصاعدت حدّتها بشكل لا يطاق في السنتين الأخيرتين، وبلغت أوجها مع مجيئ حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية والأكثر تطرّفا في حكومات الاحتلال المتعاقبة بداية العام الجاري، لتمنح كل الضوء الأخضر لجنودها وسفّاكيها لإهدار مزيد من الدم الفلسطيني بكل دم بارد. ولا يمكن إخراج العدوان الغاشم الذي باشرته قوات الاحتلال منذ ليلة الأحد إلى الإثنين، وتواصل طيلة نهار أمس، على سكان مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية تحت مسمى "مكافحة الإرهاب" من مخطط صهيوني إرهابي فاضح وواضح للقضاء على كل ما هو فلسطيني بداية بالإنسان الفلسطيني. ففي أعقاب عملية قصف أقل ما يقال عنها إنها الأعنف منذ سنوات، اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال ترافقها جرافات عسكرية مدينة جنين من عدة محاور، وحاصرت مخيمها وقطعت الطرق التي تربط بين المدينة والمخيم واستولت على عدد من المنازل وقطعت التيار الكهربائي عن المخيم. وإلى غاية أمس، شهدت سماء جنين ومخيمها تحليقا مكثفا لطائرات الاحتلال الإسرائيلي سواء "الأباتشي" أو طائرات الاستطلاع، في حين جدد الطيران الحربي الاسرائيلي قصفه لعدة مواقع في المخيم بما أدى إلى وقوع مزيد من الإصابات بين صفوف المواطنين العزّل. وبالتزامن مع ذلك اقتحمت أكثر من 100 آلية عسكرية ما بين ناقلات جند بلغ قوامهم الألف وعربات عسكرية وجرافات، المدينة من مختلف محاورها وطوقت كل الشوارع المحيطة بالمخيم واعتلى القنّاصة أسطح العمارات العالية المشرفة على المخيم. وشنّت قوات الاحتلال ما لا يقل عن 15 غارة على أهداف مختلفة بمخيم جنين، بما يجعل هذا العدوان الأكثر عنفا الذي تشهده الضفة الغربية منذ سنوات وخلّف في حصيلة أولية استشهاد ثمانية فلسطينيين وإصابة العشرات الآخرين. وتصدى المقاومون الفلسطينيون بأسلحتهم الرشاشة والقنابل المحلية لقوات الاحتلال بما فجّر اشتباكات عنيفة بين الطرفين، في وقت أشعل شبان عددا كبيرا من الإطارات المطاطية في شوارع المخيم لحجب الرؤية عن طائرات الاستطلاع والقناصة. كما تمكن المقاومون من تفجير عدة قنابل في جرافات وآليات الاحتلال المتوغلة. ورغم حدة الإجرام الصهيوني الذي لا غبار عليه ولا يمكن إخراجه من خانة "الإرهاب" لم تحرك المجموعة الدولية، ساكنا وهي التي تسارع لإقامة الدنيا ولا تقعدها عندما يتعلق الأمر بمقتل مستوطن واحد. ولكن لم يسمع لهذه المجموعة وعواصمها الدولية صوت وهي التي تتغنّى بحماية حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية.. وغيرها من المبادئ التي ترافع لها فقط عندما يتعلق الأمر بها وبإسرائيل وبما يخدم مصالحهما.