تشكل "تصديرة" العروس أمرا هاما للفتاة؛ إذ مباشرة بعد خطبتها تبدأ في التخطيط ليوم الزفاف؛ من خلال البحث عن فساتين تقليدية تختلف باختلاف المنطقة، وتضع نصب عينيها مجموعة من الألبسة التي تفتخر العروس بارتدائها، لا سيما أن أغلب البنات ينتظرن هذه المناسبة الجميلة، لتكون لديهن فرصة ارتداء تشكيلة منها. الكبرى، في حين تخلى بعضهم عن كثير منها بعدما أثقلت هذه الممارسات كاهلهم؛ نظرا لتكاليفها الباهظة، لا سيما في ظل الغلاء المعيشي الذي دفع إلى التفكير في أن المحافظة على التقاليد مجرد تفكير نمطي لا لزوم له. وما لا يختلف فيه اثنان أن "تصديرة" العروس فيها نوع من المبالغة، حيث كانت الفتاة تحب الافتخار والتباهي بما لديها من قطع تقليدية، لا سيما أن تعدد تلك القطع التقليدية من مختلف الولايات على غرار البنوار، والشدة، والكراكو والقفطان تدفع بالكثيرات إلى الرغبة في تجربتها والتزين بها يوم زفافهن حتى وإن لم تكن من تقاليد منطقتهن، فيما يبقى الخيار لهؤلاء سواء باقتنائها جاهزة، أو حياكتها عند إحدى الخياطات الماهرات اللواتي يبدعن في هذا المجال، ويتنافسن عليه بشكل مثير للاهتمام. وفي جولة ميدانية قادت "المساء" إلى بعض محلات بيع الألبسة التقليدية، أثار اهتمامنا مدى التفات السوق نحو منتجات العرائس، خاصة خلال صيف هذه السنة، الذي يشهد ارتفاع عدد حفلات الزواج، والتي تراها الغالبية الفترة المثالية للزفاف. في البداية كانت وجهتنا نحو مدينة الشراقة غرب العاصمة، التي تشهد تجمّع عدد كبير لمحلات بيع الألبسة التقليدية بأنواعها. محطتنا الأولى كانت محل "الأنيقة"، الذي يعرض تشكيلة متنوعة من القفطان. وهي قطعة تقليدية تشهد رواجا وسط نساء الجزائر، خصوصا أنها أصبحت من القطع التي يمكن ارتداؤها في جميع الأفراح؛ لخفتها وتماشيها مع جميع الولائم، جميلة ويمكن تنسيقها مع العديد من الأكسسوارات، خصوصا أنها اليوم تختلف بألوانها وأقمشتها التي لا تُعد ولا تحصى، وتبدع الكثيرات في حياكتها. وفي هذا الصدد قالت مونية بائعة بالمحل، إن مصدر تلك القطع التي تعرضها، من ولاية وهران، والتي تطلبها من ورشة خياطة هناك، تفصّلها وفق طلب زبائنها، وتحاول من خلال ذلك التماشي مع الموضة، ومواكبة كل جديد هذا العالم، مع الحفاظ على الأصالة. وعن الأسعار قالت المتحدثة إنها تتراوح بين 25 ألف دينار و70 ألف دينار، وفق القماش، وحتى التصميم عليها، فكلما كانت التفاصيل مصنوعة باليد، كلما كانت أكثر إتقانا، وبالتالي أغلى سعرا. وخلال تنقّلنا إلى محل ثان بذات البلدية، أثار انتباهنا عدد من القطع التقليدية بمحل "وردة"، الذي عرض مجموعة فسيفسائية من الألبسة، بعضها من الشرق، وأخرى من غرب الوطن، وحتى جنوبها. وأكثر القطع رواجا لديها، الكاراكو العاصمي، والذي تحيكه يدويا هي وفريق ورشتها حسب طلب الزبونة. وقالت صاحبة المحل: "إن سعر تلك القطع قد يصل إلى 150 ألف دينار، خصوصا إذا ما تم الاعتماد على الخيط الأصلي، والقماش ذي النوعية الرفيعة"، مشيرة إلى أن عمله مرهق، ويتطلب الكثير من الوقت والجهد الكبير من طرف جميع الفريق، موضحة أن الكثير من زبائنها يبحثون، اليوم، عن النوع الأصيل بدون إضافة أي تغيير؛ فقط لمسة صغيرة، تكون عصرية، تتوافق ومتطلبات الوقت الحالي. وأما فتيحة صاحبة محل آخر اختص في عرض موديلات فساتين السهرة، فقالت إن مصدرها من تركيا، مؤكدة أن هذه الدولة تخطو اليوم خطى عظيمة في مجال الموضة، لا سيما فساتين الزفاف والسهرات. وبات استيراد تلك القطع من تركيا أقل تكلفة من خياطتها محليا؛ ما يجعل الكثير من المحلات تعرض موديلاتها الجميلة التي تتوافق وذوق الجزائريات. وعن تكاليفها قالت إنها تتراوح بين 40 ألف دينار و120 ألف دينار حسب القماش، مؤكدة أن الدونتيل المرصع هو أكثر الأقمشة باهظة الثمن، وكلما كانت رفيعة كلما ارتفع سعرها، والعكس. كراء الفساتين والابتعاد عن المغالاة.. وبين هذا وذاك هناك من تبحث عن ضالتها في محلات "الكراء"؛ فلا تجد أي داع لاقتناء قطع تقليدية بالملايين وتركها حبيسة الخزانة بعد الزفاف، وهذا ما أكدت وأجمعت عليه غالبية من حدثتهم "المساء". جميلة مقبلة على الزفاف قالت: "لن أتكبد عناء شراء أو حياكة ملابس تكلف سعر سيارة! فالحكمة اليوم عدم المبالغة، خصوصا مع ارتفاع تكاليف الحياة؛ فما الداعي لزيادة الطين بلة؟!". وقالت: "إن التباهي في الأعراس بات أمرا مقرفا!". وتضيف: "خصوصا أن، اليوم، بالكاد يمكن العامل التوفيق بين ما يجنيه وما عليه من نفقات؛ فما بالك غير العامل؟! وما الهدف من المغالاة في الأعراس؟!". وهذا ما أكدته الكثيرات، اللواتي قبلن بالخيار الثاني، وهو التوجه نحو كراء ملابس "التصديرة"، وفق ما قالته سهام صاحبة محل كراء ببلدية المحمدية، موضحة: "بعدما كانت العروس تقبل على كراء الفستان الأبيض فقط، باتت اليوم تبحث عن ثلاث أو أربع قطع وتكتفي بشراء أو خياطة قطعة أو اثنتين، وهذا يوفر لها الكثير". وعن العملية تقول إنها تتم وفق شروط بسيطة، وهي القيام بالطلبية قبل شهر تقريبا من الزفاف؛ لتحديد وترتيب المواعيد؛ حتى لا تكون العروس ضحية غياب القطعة يوم العرس؛ "إذ يستوجب أن تكون القطعة نظيفة أيضا إذا تم كراؤها من طرف شخص آخر، فتضع، فقط، عربونا إضافيا فوق سعر الكراء؛ كضمان على القطعة". وعن أسعار الكراء فهي تتراوح بين 4 آلاف دينار و20 ألف دينار للقطعة. وهناك من القطع الجديدة التي قد تصل إلى 30 ألف دينار لمدة 24 ساعة. ويبقى هذا أحسن خيار للكثيرات، اللواتي تعبن من تكاليف الأعراس التي تصل إلى أكثر من سعر سيارة. ويرى البعض أن ادخار ذلك المال لما هو أكثر نفعا، خيار حكيم، خصوصا مع التراجع الفظيع في القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، خصوصا ذوي المداخيل البسيطة، وحتى المتوسطة.