تمر 72 ساعة على حادث تحطم الطائرة التي كانت تقل زعيم مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية، يفغيني بريغوجين، من العاصمة موسكو إلى مدينة سان بيطرسبورغ مساء الأربعاء الأخير، ولا يزال الغموض سيد الموقف حول أسباب سقوطها، وما إذا كان الأمر يتعلق بحادث عرضي أو عمل مفتعل وتخريبي. ولأن فرضية تصفية برويغوجين، والمتهم فيها الكرملين، يراها كثيرون خاصة في العالم الغربي أنها الأرجح، فقد نفت الرئاسة الروسية، في وقت متأخر من مساء أول أمس، نفيا قاطعا ما وصفتها ب«الأكذوبة" التي تتهم السلطات الروسية باغتيال زعيم جماعة "فاغنر" المسلّحة. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في تصريحات صحفية إنها "كذبة مطلقة، يجب أن نتعامل مع هذه المشكلة "الحادث" بناء على الحقائق"، مضيفا في رده على أسئلة حول تلميحات من القادة الغربيين بأن الكرملين أمر باغتيال بريغوجين، أنه "حاليا هناك الكثير من التكهنات حول الكارثة الجوية والوفيات المأساوية للركاب خاصة يفغيني بريغوجين، ونحن نعرف جيدا في أي اتجاه يجري التكهن في الغرب". وبحسب بيسكوف، الذي أشار إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين، نفسه قال يوم الخميس، إنه "ينتظر النتائج" فإن التحقيق في أسباب سقوط الطائرة لا يزال مستمرا. وخرج الرئيس الروسي، عن صمته بعد 24 ساعة من حادث سقوط طائرة بريغوجين، ليؤكد بطريقة ضمنية مصرعه في ذاك الحادث، حيث راح يقدم التعازي لعائلات الضحايا ومن بينهم زعيم جماعة "فاغنر" ونائبه. وأشاد الرئيس بوتين، ببريغوجين وبتفانيه في خدمة بلاده خاصة فيما يتعلق بالدور الذي لعبته "فاغنر" على جبهة القتال في أوكرانيا، وقال إنه يعرفه منذ تسعينيات القرن الماضي. ولكن زعيم الكرملين حتى وإن وصف بريغوجين بالرجل "الموهوب"، إلا أنه قال إنه ارتكب "أخطاء" والإشارة واضحة إلى التمرد الذي قاده قائد "فاغنر" شهر جوان الماضي، ضد الكرملين والذي اعتبره حينها بوتين، بأنه خيانة وطعنة في الظهر، وهو الذي سبق وأكد في تصريحات سابقة بأنه قد يتسامح مع أي شيئ إلا الخيانة فهو لن يغفرها. وإذا كان الرئيس الروسي، قد فك لغز ما إذا كان بريغوجين من بين ركاب الطائرة المحطمة ولقي حتفه في حادثة سقوطها، فإن اللغز الآخر الذي لم تفك شفرته بعد يتعلق بأسباب سقوط الطائرة التي تضاربت الفرضيات بشأنها بين إمكانية أن يكون الحادث عرضيا نتاج عطب فنّي أو تقني، أو عمل تخريبي سواء من داخل الطائرة أو خارجها. وفي انتظار أن تتكشف الحقيقة عن كاملها وقّع الرئيس الروسي، أمس، مرسوما يلزم أعضاء مجموعة "فاغنر" على أداء اليمين الدستورية في روسيا مثلهم مثل عناصر الجيش النظامي، حيث سيكونون مطالبين خاصة بالقسم باللواء والوفاء لروسيا واتباع أوامر القادة والمسؤولين بدقة. كما يتعهدون "باحترام الدستور الروسي بشكل مقدّس" و«أداء المهام الموكلة إليهم بضمير حي" و«الدفاع بشجاعة عن استقلال البلاد ونظامها الدستوري". ويتعلق هذا المرسوم بالأشخاص المجندين كمقاتلين متطوعين "الذين يساهمون في تنفيذ المهام الموكلة إلى القوات المسلّحة الروسية" وغيرهم من "الهيئات والتشكيلات العسكرية"، بما في ذلك قوات الدفاع الإقليمية التي تشكلت أثناء الصراع في أوكرانيا. وبتوقيعه لمثل هذا المرسوم يكون زعيم الكرملين، قد أخضع بطريقة أو بأخرى مجموعة "فاغنر" الخاصة لقواعد الجيش النظامي، وبالتالي لن يكون لهذه المجموعة تلك الحرية التي كانت تتمتع بها وسمحت لها بالتحرك بأريحية تامة ليس فقط في روسيا، بل في عدة دول خاصة في إفريقيا بما يقود إلى التساؤل ما إذا كانت المجموعة شبه العسكرية، التي يبدو أنها وقعت بنفسها شهادة وفاتها بتمردها على الكرملين، آيلة للاندثار وهي التي ذاع صيتها في العالم أجمع واستنجدت بها حكومات دول لتأمين مسؤوليها وحتى أهم مشاريعها.