قدم المخرج المسرحي حليم زدام مسرحية "نزهاو..ف.. الحرب"، مساء أول أمس السبت، في عرض شرفي استقبله جمهور المسرح الوطني الجزائري "محي الدين بشطارزي" في العاصمة، برحابة صدر، إذ استمتع على مدار ساعة بقصة مقتبسة عن نص "نزهة في الريف"، للكاتب فرناندو لرابال. العمل من إنتاج جمعية "نوميديا" الثقافية من ولاية برج بوعريريج، حولها المخرج إلى مشهدية ترصد عبث الحياة، وتناقضاتها المختلفة. بعد أن خاض تجربة سابقة في المسرح العبثي من خلال مسرحية "نستناو..ف..الحيط"، يعود حليم زدام برؤيته الإخراجية، مستندا لمدرسة العبث، أو ما يسمى أيضا "اللامعقول"، ليقترح على المتفرج وجبة مسرحية مميزة، من خلال مسرحية "نزهاو.. ف..الحرب"، إذ اشتغل على فكرة المستحيل، وغير مرتقب الحدوث، ويبدو الأمر جليا في عناوين المسرحيتين، التي تحمل من العبث معناها، من غير المعقول أن تحصل زهوة وفرح في مواقع الحروب، لكن المخرج أراد أن يمرر فكرة أخرى جديرة بالاهتمام، مفادها أن الحياة لها جانبها المشرق والجميل، والتي تستحق أن تعاش فعلا. ويبعث المخرج برموز لهذه الفكرة، وقبل ذكرها، تجري أحداث القصة في موقع دمار، بسبب حرب، يظهر جندي من مركز 47 يحرس المكان، سرعان ما يظهر رجلان هرمان جاءا ليشاهدوا فرجة الحرب، والاستمتاع بها وأخذ صور للذكرى، وقد حملا معهما لوازم فسحتهما من كراسي وأكل وموسيقى. يحدث أن يأتي جندي آخر من الطرف العدو، يحرس مركز 74، إلى مركز 47، ليتقاسم معهم رقصاتهم على الموسيقى التي اقترحها الكهلان، وفي هذا الأمر، بينة على أن الفن، ومن خلال الموسيقى، من شأنه أن يذيب جليد النزاعات والحروب، حتى وإن كان الجندي الثاني أسيرا، إنه يريد فقط بعضا من السلوى، وبعضا من الوقت الماتع. ومن الرموز أيضا، التي تحيل إلى فكرة أهمية الفن في لم شمل المتخاصمين، لما روى الجنديان كيفية انخراطهما في الحرب، فهما مخطوبان، وقد جندا في اليوم الذي قررا فيه أن يأخذا خطيبتيهما إلى السينما، وهنا السينما تدل صراحة على حلاوة الحياة، بل على الحياة الطبيعية التي من المفترض أن يعيشاها بسلام. يُعرف عن المسرح العبثي الجمل المكررة، وقلبها وإعادة صياغتها، والجمل الغريبة وغير المفهومة، حاول المخرج أن تمر دون أن تترك مللا في فترات العرض، واستطاع بتوابل فكاهية، أن يخفف على الجمهور، لكن الأمر لا يعني أنه حقق فترات أخرى من الرتابة، بفعل التكرارات الفجة. في مثال ذلك، مستهل المسرحية التي وكأنها لم تود أن تقلع بالقصة، في مشهد الجندي الأول حارس مركز 47، الذي يذهب ويعود للهاتف، مكررا الجمل نفسها، وكذلك ذهابه وإيابه على الخشبة قد يوحي لأمر ما، لكنه لم يفهم. كما سخر المخرج دور طفلة تحمل معاني البراءة في خارجها، لكنها أثناء الحرب تعمل على حمل جثث ضحايا الحرب، ويندرج هذا الدور أيضا، ضمن أفكار زدام في عبثية الحياة وتناقضاتها المثيرة. ويحمل العرض سؤالا وجوديا بالغ الأهمية، كثير ما ردده ممثلو القصة، "هل ستنتهي الحرب؟"، "هل سيعيش العالم أخيرا في سلام؟"، ليخبرنا زدام عبر مشهد قتل الجنديين أنها لن تنتهي للأسف، هذه الحرب التي نسمع بها كل يوم، وعشناها، وعاشها الأجداد والسابقون.