احتفاء باليوم العالمي للترجمة، المصادف للثلاثين سبتمبر، تنظم وحدة البحث حول الترجمة والمصطلحية، التابعة لمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك"، بالشراكة مع ديوان المطبوعات الجامعية، الملتقى الوطني الموسوم ب«الترجمة والتعايش الإنساني"، اليوم الثلاثاء 26 سبتمبر بكلية الطب، جامعة الجزائر "1". الملتقى سيعرف مشاركة ثلة من الأساتذة المختصين، من عدة جامعات ومراكز بحث، يتباحثون محاور عدة، منها الترجمة وإحياء التراث، الترجمة ونشر القيم الإنسانية المشتركة، وكذا الترجمة والفضاء الرقمي، كما سيشهد الملتقى تنظيم مجموعة نقاش مركز "focus groupe" حول "واقع الترجمة في الجزائر: تمثلات وممارسات"، يشارك فيها فاعلون في الحقل الترجمي من مديري ومسؤولي معاهد، أساتذة من مختلف الرتب العلمية، طلبة دكتوراه، ومديرو دور نشر. يتحدثون عن مساراتهم التكوينية والتعاليم المهنية. وكذا اقتراحاتهم، كل حسب ملمحه، تطلعا لواقع أفضل لواقع الترجمة في الجزائر. يأتي هذا الملتقى ليعاين ويناقش إسهام الترجمة محليا وعربيا ودوليا، في إرساء قيم التعايش الإنساني والعمل على دعمها ونشرها، من خلال أربعة محاور هي؛ "الترجمة وتثمين التراث الإنساني"، "الترجمة ونشر القيم الإنسانية المشتركة" وكذا "الترجمة والعالم الرقمي" و«الترجمة والمعرفة، مترجمون وتجارب". إلى جانب المحاضرة الافتتاحية، التي ستتمحور حول "الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي: واجب الذاكرة"، سيتم إثارة عدد من المواضيع، على غرار "الترجمة والتشبيك الأكاديمي، وحدة البحث حول الترجمة والمصطلحية أنموذجا"، "الترجمة بين اللغات الوطنية في الجزائر، المرافعة من أجل التعايش اللغوي"، "دور الترجمة في نشر ثقافة الحقوق والحريات"، "الفعل الترجمي العربي، بين الإقرار بالأهمية والقصور في الاستثمار المعرفي"، وأيضا "صناعة المحتوى على مواقع التواصل، إضافة الترجمة". وأوضح المنظمون في ديباجة الملتقى، أن دراسات كثيرة أثبتت على مر الزمن، الدور الجوهري الذي تلعبه الترجمة في مد جسور التواصل بين الحضارات والشعوب، فأصبحت فكرة "الترجمة جسر الثقافات"، واحدة من مسلمات المعرفة الإنسانية. ويتفق المهتمون بالشأن الترجمي، على أن للترجمة الفضل الحصري في منح الأفراد حق الإطلاع على ثقافة الآخر، في زمن ما قبل الأنترنت، فتعرفت ثقافات على أخرى، بصورة غير مباشرة، عبر الإطلاع على ترجمات ألوان شتى من المعرفة والأدب العالميين، وبأخرى مباشرة من خلال توظيف الترجمة في التفاعل الإنساني أثناء التنقلات والأسفار. مشيرين إلى أن نفس الدور مازالت تضطلع به الترجمة حاليا وأكثر، إذا اقتحمت وبصفة هيكلية، قطاعات عدة، منها الرياضة، إذ أضحى المترجم عضوا أساسيا ضمن تركيبة عدد مهم من نوادي ومنتخبات كرة القدم (على غرار ما يجرى في الدوريات الخليجية). أما على مستوى الفضاء الافتراضي، فيرى القائمون على هذا الموعد الأكاديمي، أنه رغم التطور المتسارع لعالم، بل "عوالم الرقميات"، فإن دور الترجمة في تواصل البشر من ثقافات مختلفة، لم يتراجع البتة، بل على العكس من ذلك، تجدها قد فرضت نفسها كحلقة يستحيل الاستغناء عنها، فهي تارة تعرض في شكل تطبيقات (12023). وكذا خدمات (مثل Fiverr Freelancer)، وتارة أخرى نجدها حاضرة عبر منصات عالمية، على غرار منصة "ناتفليكس"، وفي غالب الأحيان، تفرض الترجمة نفسيا كمهارة تواصلية محورية في الاستخدامات الرقمية المختلفة، تتقدمها وسائط التواصل الاجتماعي بأنواعها. وتطرقت مقدمة الملتقى إلى 2020-2021، التي شكلت محطة فارقة في تاريخ البشرية، بفعل جائحة "كورونا"، حيث صدق ما تم التنبؤ به والإجماع عليه، من أن العالم بعد الجائحة، لن يعود كما كان قبلها، إذ تأزمت الاقتصادات (تقرير البنك العالمي جوان 2020)، وتراجعت حركات السياحة (تقرير منظمة السياحة العالمية 2022)، وتوترت العلاقات الدولية إلى حد تفاقم بؤر اقتتال مسلح، تتقدمها الحرب الروسية - الأوكرانية. وأضافت أن العيش في عالم دائم التوتر، اقتضى استدعاء فكرة التعايش الإنساني، كسبيل المعالجة ما هو كائن. وللوقاية مما قد يكون، سارعت جمعية الأممالمتحدة لتبني المبادرات الجادة، إذ اعتمدت بمبادرة من الجزائر. تاريخ 16 ماي، يوما للعيش بسلام، ثم تاريخ 14 فيفري يوما عالميا للأخوة الإنسانية، بمبادرة من أربع دول عربية، ووضعت برامج، على غرار برنامج منظمة "اليونسكو" حول التواصل بين الثقافات والأديان لتعليم الأخلاق والموسوم ب"تعلم العيش معا"، واستطردت "هذه المبادرات الدولية والبرامج الأممية، التي تقوم على تقوية القيم الإنسانية المشتركة، مع المحافظة على الخصوصيات الحضارية للشعوب، في عالم متعدد عرقيا ودينيا وثقافيا، بغية تحقيق التعايش الإنساني، ما كان لها أن تكتسب بعدها العالمي دون استدعاء الترجمة كحفل معرفي، البحث في الثقافات المختلفة (عن المشترك والخصوصي)، ووظيفي (صباغة منظومة قيم إنسانية مشتركة)، وكذلك كبناء ثقافي لذاكرة الشعوب بمفهوم انطوان برمان، فتجلت قوة الرابط بين التعايش الإنساني والترجمة، من خلال علاقة متعدية قائمة على "سياق عالمي دائم التوتر، ما يقتضي تعزيز التعايش الإنساني، ولا سبيل لتحقيق التعايش الإنساني دون ترجمة".