بدأت الزيارة المرتقبة التي يعتزم وزير الدفاع الأمريكي روبيرت غيتس القيام بها إلى إسرائيل الإثنين القادم تثير الكثير من التساؤلات حول دواعيها وخاصة في مثل الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط. وتطرح مثل هذه التساؤلات خاصة وان تنقل غيتس يأتي في سياق أحداث وتطورات إقليمية لم تخرج جميعها عن دائرة تداعيات الملف النووي الإيراني الذي أصبح من أهم القضايا الأمنية في المنطقة ووضعته إسرائيل في أعلى قائمة اهتماماتها بدعوى مخاوف من امتلاك إيران لأسلحة ذرية. وهو ما يدفع إلى التأكيد أن محادثات غيتس مع نظيره الإسرائيلي ايهود باراك سوف لن تخرج عن دائرة بحث الموقف من هذا الملف وخاصة فيما يخص خيارات التعاطي معه وسط سجال حاد بين المدافعين على تغليب الخيار الدبلوماسي وبين أولئك الذين يريدون الانتقال إلى الحسم العسكري وانهاء الجدل من الآن وقبل فوات الأوان. وتجد هذه المقاربة صدقيتها وخاصة وان زيارة غيتس تأتي أسبوعين فقط بعد زيارة ايهود باراك إلى واشنطن وكان النووي الإيراني أهم نقاط مباحثاته مع مسؤولي البنتاغون الأمريكي بعد ان راح باراك يبحث عن ضوء اخضر من واشنطن لتنفيذ مهمة تدمير المنشآت النووية الإيرانية. وهو "الضوء الأخضر" الذي أكده جو بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى العراق وقال أن بلاده لا تفرض أوامر على أية دولة عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي. وفهم كل العالم أن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي حملت بين اسطرها ما كانت تبحث عنه إسرائيل لتنفيذ تهديداتها بتدمير مفاعل ناتنز الإيراني حيث توجد أجهزة الطرد المركزي التي تؤكد واشنطن أنها تنتج البلوتنيوم المشبع الذي يدخل في تصنيع القنبلة الذرية. ورغم أن الرئيس باراك اوباما سارع إلى تفنيد أية علاقة بين تصريحات نائبه جو بايدن خلال زيارته السرية إلى بغداد وبين ما كانت تبحث عنه إسرائيل إلا أن تصريحاته لم ترق إلى حد إقناع الرأي العام الدولي الذي بقي متشبثا بقراءته الأولى حول حقيقة مضمون تصريحات بايدن التي سارت في سياق ما أكده مسؤولون إسرائيليون بأن صبرهم قد نفد وأن ساعة الحسم قد حانت لوقف الطموح النووي الإيراني عند هذا الحد. وهو نفس المضمون الذي ذهبت إليه تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون بالعاصمة الهندية نيودلهي عندما سئلت عن ملف النووي الإيراني وقالت أن لكل شيء حد من الاحتمال" وكان ذلك كافيا ليؤكد أن واشنطن تكون قد غيرت مقاربتها من الخيار الدبلوماسي الذي رفعه الرئيس اوباما منذ توليه مهامه باتجاه مقاربة الحسم العسكري. وفي حال تأكد هذا الاحتمال فإن واشنطن تكون قد فضلت التعامل مع معضلة النووي الإيراني من خلال توكيل إسرائيل مهمة التنفيذ تماما كما حدث سنة 1981 عندما أقدمت طائرات حربية إسرائيلية على تدمير مفاعل تموز العراقي بعد حصولها على ضوء اخضر أمريكي وجنبها ذلك عدم تعرضها لأية عقوبات دولية. ولكن حتى وان سلمنا بأن تطورات هذا الملف ستنتهي إلى تنفيذ هذا الخيار فإن طرف المعادلة الغامض سيبقى طبيعة الرد الإيراني والذي جعل ادارة الرئيس الأمريكي السابق تتريث في الأمر وخاصة وأنها كانت تدرك أهمية الدور الإيراني في العراق وحتى في أفغانستان مما جعلها لا تقامر بالقيام بعمل عسكري ضد إيران وهي في وضع حرج في العراق وقبلت مواصلة التعامل الدبلوماسي مع إيران وهي مكرهة على فعل ذلك.