كان يريد أن يكون مهندسا معماريا وليس مطربا أو نجما معروفا، ولكن حنجرته قادته إلى عالم الشهرة والغناء، فبنى مسيرة غنائية كتب لها النجاح رغم بدايتها المحلية الضيقة.. نشأ الفنان التونسي صابر الرباعي مع أربعة أشقاء هم ماهر وإلهام ووجدي ومراد وهو آخر العنقود. في مدرسة السلطانية الابتدائية التي كان يديرها والده بدأ صابر صقل موهبته، ومعها عاش سنوات التكوين والتشبع بأصول الموسيقى والغناء، وعندما بلغ سن العاشرة من العمر، اقتنى أول آلة "كمان" في حياته، وكانت من بغداد خلال رحلة مدرسية عربية تتيح للمواهب التعبير عن إمكانياتها الفنية والصوتية. وواصلت تلك الآلة السفر مع صابر وهو ينشد لكبار الملحنين العرب، من أمثال محمد عبد الوهاب وكارم محمود ووديع الصافي، وكانت سنة 1984 سنة مهمة في تاريخه الفني، ففي تلك السنة شارك في الحصة التلفزيونية الشهيرة في تونس والمخصصة لاكتشاف المواهب والتي تحمل اسم "نادي المواهب"، وتحصل صابر على الجائزة الأولى بأدائه لأغنية تونسية عنوانها "خليك آه يا ليل" التي لحنها الملحن التونسي محمد رضا، وبالجائزة المالية المقدرة ب500 دينار تونسي (نحو400 دولار أميركي) اشترى صابر "كمانا" جديدا ودراجة نارية يذهب بها إلى المعهد. بعد الحصول على شهادة البكالوريا، تفرغ للموسيقى والتحق بمعهد خاص لمدة خمس سنوات، وبالمعهد الأعلى للموسيقى بتونس العاصمة لمدة سنتين وتخصص في العزف على العود، ولكن الطريق إلى الشهرة والانتشار يتجاوز حدود المعارف الموسيقية والشهادات العلمية، ليؤكد الصلة الكبيرة بين الموهبة والحظ والعلاقات الجيدة، فالخطوة التي تلت الحصول على الشهادات والتنويهات دامت 12 سنة من 1984 سنة حصوله على جائزة نادي المواهب، وكانت أول أغنية له في عالم الاحتراف تحمل عنوان "أغرب من الخيال" ، وفي عام 1984 صعد صابر على ركح مسرح قرطاج الدولي لأول مرة، عن هذا الحدث في حياته يقول متذكرا "يومها كنت بين الخوف والحلم، الخوف من الإخفاق والحلم بالنجاح، فالمرور من قرطاج كان معناه بداية مشوار الاحتراف الحقيقي". لقد نجح صابر الرباعي في شد الانتباه إلى ما يغني بأحاسيس راقية، ولكن نجوميته الحقيقية جاءت من الأغنية المحلية "سيدي منصور" وهذا يؤكد تلك المقولة المعروفة "الطريق إلى العالمية يبدأ من إبراز الخصائص المحلية".. صابر عشق هذا العالم المبهر، وتمكن من ربط علاقات مميزة مع باقي مكونات الوسط الفني، ونأى بنفسه عن النزاعات مع بقية الفنانين العرب منهم والأجانب، وهو على علاقة وطيدة بنجوى كرم وعاصي الحلاني ولطفي بوشناق والراحلة ذكرى وحسين الجسمي، أما عن المستقبل الفني فإن صابر يرى أن الموسيقى التي يحبذها تذهب إلى التنويع وتلاقي الأفكار وعدم التقوقع في قالب واحد، فهي ليست لها شخصية واحدة، ويقول عنه المنتج اللبناني علي المولى "لمست فيك طفلا بريئا ذكيا صادقا" وهذه العبارات ربما هي التي تعبر عن مسيرة الفنان صابر الرباعي، فبراءته جعلت المنشط التونسي الراحل نجيب الخطاب يتبناه في برامجه الإذاعية والتلفزية، وذكاؤه هو الذي قاده إلى المحافظة على النجاح وعدم السقوط بسرعة من القمة، وصدقه هو الذي أحبه فيه الناس، فهل البراءة والذكاء والصدق هي الصفات التي تقود الفنانين إلى النجاح؟