مازال التعامل نقدا يسيطر على المشهد الاقتصادي، رغم البدائل التي وفرتها التكنولوجيا لتسهيل مختلف المعاملات التجارية، ولتسليط الضوء على موضوع الدفع الإلكتروني، الذي لم يتوصل إلى إحداث النقلة النوعية المرجوة منه، فتحت "المساء" النقاش مع عدد من المختصين، الذين أجمعوا على ضعف ثقافة العمل بهذا النظام، وتمسك المستهلكين بالمعاملات النقدية، حتى ولو كانت المبالغ المالية ضخمة. يبدو أن الوصول إلى رقمنة قطاع التجارة، من خلال حمل التجار على اقتناء أجهزة الدفع الإلكتروني، والتخلي عن التعامل نقدا، صعب التحقيق، ولا يزال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتغيير بعض الذهنيات، وهو ما تبين ل"المساء"، من خلال فتح هذا الموضوع للنقاش، حيث أكد أغلب المستجوبين من التجار وأصحاب المحلات الكبرى، وحتى الصغيرة منها، بأنه لا مانع لديهم في ترقية المعاملات التجارية والذهاب إلى رقمنة القطاع، إلا أن الإشكال في المستهلك الذي يفضل دائما التعامل نقدا، وحسبما جاء على لسان صاحب "سوبيرات" ببلدية العفرون، فإن زبائنه من عامة الناس، بالتالي من الصعب الحديث معهم عن تغيير طريقة الدفع من خلال التعامل بمثل هذه الأجهزة، وأوضح بقوله: "بل وأكثر من هذا، شخصيا قمت باقتناء الجهاز خوفا من الغرامة والرقابة، وعلى الرغم من أنه مفعل، إلا أنني نادرا ما أتعامل به، أي بمعدل معاملة واحدة في شهرين أو أكثر". وعلى حد قول تاجر أخر "ليس هناك أفضل من عد النقود في اليد". وذكر تاجر بمحل لبيع الملابس، بأن ثقافة الدفع الإلكتروني صعبة التحقيق، في مجتمع لا يزال يتقاضى راتبه نقدا. موضحا أن الكثير من العمال يمارسون بعض الأنشطة التي يتقاضون فيها نقودهم بطريقة مباشرة، منهم عمال البناء والفلاحين وبعض الحرفيين، وغيرهم من أصحاب المهن الحرة، بالتالي فإن الوصول إلى بلوغ الدفع الإلكتروني يتطلب أولا، تغيير طريقة صب الأموال في الحسابات الشخصية للأفراد، فيما يعتقد البعض، أن هذا النوع من الدفع مقتصر على رجال الأعمال وأرباب المال، لافتا في السياق، إلى أنه اقتنى الجهاز تنفيذا لتعليمات مديرية التجارة فقط، ولم يفكر حتى في تفعيله، إنما يقوم بعرضه على أعوان الرقابة، هروبا من العقوبة فقط. مخاوف عديدة ترهن تعميم الدفع الإلكتروني اقتربت "المساء" من بعض الزبائن، الذين كانوا بصدد اقتناء بعض الحاجيات من بعض المساحات التجارية الكبرى بالعفرون، وحول أهمية الدفع الإلكتروني، أوضحت مواطنة، بأنها لا تثق مطلقا في التكنولوجيا، وأنها تحب عد أموالها بيدها، تجنبا لبعض المشاكل التي تحدث وتعرقل عملية سحب الأموال، بينما أوضحت أخرى، بأن مثل هذه الطرق في دفع المستحقات، لا يمكن تفعيلها، لأن الجزائر لا تزال بعيدة من حيث تفعيل التكنولوجيا في الحياة اليومية، وحتى تتمكن من بلوغ هذا المسعى، لابد أن تتغير الذهنيات أولا، وقال إنها شخصيا تحب أن يكون المال في يديها، وتنفق منه كما تشاء، لأن الدفع بالبطاقة يجعلها ربما تتمادى في الإنفاق، ما يجعلها مهددة بالإفلاس. بينما أوضح آخرون، بأن احتمال ضياع البطاقة وارد جدا، بالتالي فإن الدخول في إجراءات البحث عنها، وإعادة تجديد بطاقة أخرى يجعل التعامل بالنقود أرحم بكثير، على الأقل لن يضيع كل المال، وغيرها من التبريرات التي تصب كلها في الاقتناع ببعض الأفكار التي تحول دون تعميم الدفع الإلكتروني، وتؤجل رقمنة قطاع التجارة إلى حين.