شكّل المحتوى الإعلامي السياحي ودوره في الترويج للوجهة المحلية، محور يوم تكويني نظمته جمعية الصحفيين والمراسلين لولاية البليدة، بمقرها. ونشطه دكاترة ومختصون، أبرزوا من خلاله، الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في تقديم خدمة نوعية للسياحة المحلية، تساهم، بشكل مباشرة، في الترويج لوجهة الجزائر، التي لاتزال بحاجة إلى كثير من الاهتمام لاستقطاب الزوار المحليين والأجانب على حد سواء. حاول المتدخلون في اليوم الإعلامي التكويني، تسليط الضوء على واقع السياحة المحلية في الجزائر، وأهم التحديات التي تواجه الإعلامي، ليتمكن من دعم هذا القطاع، والترويج له بطريقة احترافية تخدمه. وقال الدكتور حميد زعاطشي أستاذ بجامعة بومرداس خلال مداخلته حول "دور المعلومة السياحية في الترويج الفعال للسياحة المحلية" ، بأن أول ما يجب التركيز عليه لمن يختار الترويج للسياحة المحلية، هو "المعلومة"، التي يجب تقديمها سواء للسائح المحلي أو الأجنبي. شموليةُ وموثوقية المعلومة ضرورةٌ وحسبه، فإن "ما يجب أن يعرفه الإعلامي، هو أن المعلومة التي يرغب في تقديمها عند الترويج لأي منطقة أو تراث، لا بد أن تراعي شيئين هامين، وهما: الشمولية في المعلومة؛ بمعنى أن تكون المعلومات المقدمة شاملة، يجد فيها السائح المفترض إجابة لكل أسئلته عند الاطلاع على المحتوى الإعلامي المروَّج له"، مردفا: " أما الأمر الثاني فموثوقية المعلومة المقدَّمة؛ حتى يجد السائح حقيقةً ما تم الترويج له، ولا يصاب بخيبة أمل إن لم يجد ما تم الإعلام عنه"، لافتا بالمناسبة، إلى أن من أخذوا على عاتقهم الترويج للسياحة المحلية من بعض الإعلاميين أو المؤثرين، يقدّمون في بعض الأحيان معلومات لا تعكس الواقع، وتنطوي على بعض المغالطات، أو المبالغة التي تسيء للسياحة المحلية أكثر مما تخدمها. وأكد المتحدث على أهمية إنشاء مكاتب متخصصة لتقديم المعلومة السياحية؛ على غرار ما يحدث في بعض الدول المتطورة مثل اليابان، التي أنشأت ألف مكتب سياحي. ودورها الأساس يتمثل في تقديم معلومة دقيقة ومضبوطة حول كل الأنماط السياحية، والعادات والتقاليد، ونوعية الأكلات، وكيفية تحضيرها، وحتى معلومات عمن يشرف عليها، ومكوناتها؛ بحيث لم تدع للسائح أي سؤال يمكن أن يخطر على باله ولم تجد له إجابة، مردفا: "ومن هنا تظهر أهمية المعلومة، والتسويق لها بشكل شامل وموثوق". وما نحتاج إليه في الجزائر في ما يخص الترويج للسياحة المحلية بعيدا على الوكالات السياحية التي يغلب عليها الطابع الربحي والمؤثرون الذين يركزون على الجانب الوصفي ولا يولون أهمية كبيرة للمعلومة التي عادة ما يبحث عنها السائح، هو التكوين الجيد للإعلامي المهتم بالنشاط السياحي؛ قال المتحدث: "حقيقةً، المؤثر يروّج، لكن بدون معلومة موثوقة. من أجل هذا، فإن وزارة السياحة وعلى الرغم من الجهود المبذولة للترويج الإعلامي من خلال طرح ما يسمى بالمسارات السياحية، غير أن الترويج الإعلامي لها غير كاف؛ الأمر الذي جعلها لا تخدم السياحة؛ لهذا نراهن على الذهاب نحو التخصص في المادة الإعلامية السياحية، ولِم لا الاعتماد على بعض النماذج الناجحة؛ مثل التجربة اليابانية، والتأسيس لمكاتب يشرف عليها مختصون، مهمتها الأساسية جمع المعلومات الدقيقة والصحيحة، والموثوق بكل الموروث السياحي الموجود في الجزائر الغنية بمواردها السياحية". غياب الترويج للبرامج السياحية جعلها دون فعالية من جهتها، ترى الدكتورة ليلى محمد الحاج، أستاذة بالمدرسة العليا للمناجمنت بالقطب الجامعي بالقليعة ولاية تيبازة، التي اختارت مداخلة حول "مهمة وسائل الإعلام في الترويج للسياحة في الجزائر، تقنيات الاتصال والرقمنة"، أن من خلال دراستهم النظام المعتمَد في الترويج السياحي في الجزائر، تَبيّن لهم أنه موجود، لكنه غير فعّال. وأوضحت: "حقيقة، قطاع السياحة من حيث رقمنته ومحاولة مواكبة التطورات الحاصلة لخدمة وترقية السياحة، موجود، لكنّ للأسف النظام المعمول به يقوم فقط بمراقبة وإحصاء المعلومات المرتبطة بالمكتسبات السياحية. هذه الطريقة لا تخدم مطلقا الترويج للسياحة المحلية"، مشيرة إلى أن البرنامج الذي تم العمل عليه منذ 2013 حين تم ضبط نظام معلوماتي خاص بالسياحة المحلية للأسف أثبت أنه غير مفعّل. وأضافت: "وفقا للدراسة التي قمنا بها حول البوابات التي استُحدثت للترويج للسياحة المحلية التي رغم أنها خطوة هامة جدا وتلعب دورا بارزا في الترويج للسياحة المحلية، إلا أنها بقيت دون فعالية؛ أي محصورة في وزارة السياحة. والدليل أن الوكالات السياحية مثلا، تقوم بإعداد برامج وخرجات ميدانية، ولكنها لا تطّلع على هذه المسارات ولا تروّج لها رغم أن عددها يقدر ب380 مسار سياحي، و1144 موقع؛ الأمر الذي جعلها من دون فائدة إعلامية، ولا تقدم الخدمة المرجوة منها، وهي الترويج للسياحة المحلية". وتقترح الدكتورة ليلي من أجل تفعيل مختلف البرامج على غرار المسارات السياحية، إعادة تكوين الطاقم البشري المشرف عليها، والبحث عن الخلل في نظام المعلومات الذي تم اعتماده، والذي لم يتمكن من بلوغ الأهداف المرجوّة منه، وهي الترويج للمادة السياحية المحلية، واستقطاب السائح المحلي والأجنبي، مشيرة إلى أن الاستراتيجيات المعتمدة في قطاع السياحة من خلال برامجها، تواكب العصرنة، وتسير وفق مسعى رقمنة القطاع. ويبقى، فقط، الهاجس الكبير وهو العمل على كيفية تفعيل هذه البرامج لتحقيق الأهداف، خاصة أن الجزائر تتوفر على 64 نوعا سياحيا، بحاجة لأن يكتشفها السائح المحلي والأجنبي على حد سواء. وتختم المتدخلة بالقول بأن الجزائر تحتوي على كنوز سياحية هامة، بحاجة لأن يخدمها الإعلام ومختلف الأنظمة؛ لتسهيل وصول السائح المحلي والأجنبي إلى المعلومات، مشيرة إلى أن الإحصائيات المتوفرة تشير إلى تسجيل ارتفاع في عدد السياح الأجانب في الجزائر بنسبة 135 ٪ خلال سنة 2023. هذا العدد مرشح للارتفاع، يكفي، فقط، العمل على ترقية الأنظمة المعلوماتية، والترويج لها إعلاميا؛ لجعلها أكثر فعالية لإنعاش قطاع السياحة. جلب السائح المناسب متوقفٌ على الخطاب الإعلاميّ من جهتها، اختارت الدكتورة ليندة عمي موسى، أستاذة بالمدرسة الوطنية العليا للسياحة، أن تسلط الضوء على خصوصية الترويج للسياحة الصحراوية، وكيفية استغلالها إعلاميا لاستقطاب السائح المحلي والأجنبي؛ حيث قالت في تدخلها إن " الترويج للسياحة عموما والسياحة الصحراوية خصوصا، لا يطرح إشكالا في طريقة الترويج وإنما في نوعية الخطاب" ، موضحة أن السؤال الذي ينبغي أن يطرحه من يختار الترويج لأي منطقة سياحية، هو من الشخص المستهدف؟ وعلى أي أساس؟ وحسب المتدخلة، إن كان المخاطب من المادة الإعلامية السياحية هو السائح الأجنبي، ينبغي أن يعرف صاحب المحتوى أنه لا ينبغي له أن يتحدث باسمه، وإنما يجب عليه مراعاة بعض المعطيات الخاصة بالوطن، حول المنطقة السياحية؛ أي ما يسمح به وما لا يسمح به. وفي كلتا الحالتين هناك ترتيبات لا بد أن تُتخذ. أما إن كان الخطاب موجها للسائح المحلي، فهناك أيضا، بعض التوجيهات التي وجب العمل عليها؛ حتى لا نسيء للمنطقة السياحية. وتشرح المتحدثة: " أي أن الترويج يكون للمادة السياحية لا الوجهة؛ فمثلا السياحة الصحراوية في تمنراست تختلف عن السياحة الصحراوية في غرداية، وهو ما لا يعرفه الكثيرون؛ إذ نجد في تمنراست التخييم، ولا نجده في غرداية ". وأضافت الدكتورة أن كل هذه المعطيات لا بد أن يعرفها المروّج لأن التخييم مثلا، يخص فئة معيّنة من المجتمع، التي يثير اهتمامها مثل هذا النوع من المغامرات؛ فمثلا العائلات التي لديها أطفال صغار لا يخدمها هذا النوع من السياحة، وهو ما يجب أن يتوفر عليه الخطاب الذي يعمل عليه المروّج للمادة السياحية. ويجب عليه تحديده في خطابه بدقة؛ من خلال إبراز أن هذا النوع من السياحة يغيب عن وسائل التواصل، وبعض المرافق؛ مثل الحمّامات. ومن هنا نكون حددنا الفئة المستهدفة من هذا الخطاب الترويجي السياحي، ونتجنب إصابة المهتم سواء سائحا أجنبيا، أو محليا، بخيبة أمل إن كان يخطط لبعض الأمور ويكتشف غيباها. ومن هنا تظهر أهمية الخطاب الإعلامي الدقيق عند الترويج للمادة السياحية، والتي إن لم تقدَّم كما يجب، تعرّض صاحبها والمنطقة ككل، للنقد؛ ما يعني أنها لن تخدم السياحة. وأشارت المتحدثة إلى أن الإشكال في الترويج الإعلامي للمادة السياحية، هو نوعية الخطاب، الذي يجب أن يراعي خصوصية كل منطقة؛ الأمر الذي يوجب أن يكون الإعلامي المروّج للمادة السياحية مكوَّناً، وهو ما يحتاج إليه المؤثر، الذي يركز عادة، على الطبيعة أكثر من المنتج؛ لبلوغ سياحة راقية، مشيرة إلى أن الوسيلة الإعلامية التي يتم الاعتماد عليها في الترويج السياحي، لا تهم بقدر ما يهم الخطاب، الذي يجب أن يكون واضحا ومفهوما؛ حتى يتمكن من تحقيق الغاية منه، وهي جلب السائح المناسب للمنطقة المقصودة.