أكد الباحث في علم الاجتماع سعيد بوعمامة، أن "إسرائيل" هي نتاج التقاء الصهيونية مع الإمبريالية البريطانية، للتحكم في منطقة جيو-استراتيجية، تتوسط إفريقيا، أوروبا وآسيا، فهي أداة لتسيير المنطقة لصالح القوى الغربية، مشيرا إلى أن كل استعمار استيطاني يعتمد على الإبادة، وهو نفس ما اعتمدته فرنسا الاستعمارية في الجزائر، حيث أبادت ثلث الجزائريين بعد 50 سنة من الاحتلال. وأضاف أن أهم المبادئ التي ترتكز عليها الحرب الصهيونية، هي أن يفقد الفلسطينيون الأمل والثقة في المقاومة، لكن الواقع يؤكد أن المقاومة الفلسطينية تعرف دعما شعبيا غير مسبوق. أضاف الأستاذ بوعمامة في ندوة "الإبادة في غزة"، التي احتضتها فضاء "فلسطين" بصالون الجزائر الدولي للكتاب، أول أمس الجمعة، أنه لا بد أن لا نتعجب لما يحدث في فلسطين، فهو مرتبط بالفكر الصهيوني، وقال إن الإبادة الحالية ليست مرتبطة بنتنياهو، ولكن نتيجة "فكر صهيوني" يتخذ أشكالا عديدة، ونحن لسنا في أول "إبادة"، فهناك عمليات دوّنها التاريخ على مر السنين، متسائلا "كيف يمكن أن تستمر إبادة بهذا الحجم منذ أكثر من عام على مرأى ومسمع العالم؟"، معددا المظاهر التي يتخذها الاستعمار. كما تحدث المتدخل عن وجود إرادة صهيونية لهدم كل انتماء فلسطيني، في محاولة لكسر معالم الهوية المشتركة، وتقابل هذه المحاولة مجابهة ثقافية وتراثية للفلسطينيين، أفشلت كل مسعى طمس، من خلال تهويد أسماء القرى والمدن الفلسطينية والاستيلاء على مختلف المظاهر التراثية فيها، ضمن خطة الإبادة الثقافية والهوياتية. واستعرض الأستاذ بوعمامة أسباب تسارع وتيرة الإبادة، وقال إنها راجعة إلى الخوف الإسرائيلي الذي نتج عن "طوفان الأقصى"، الذي كان الثورة الأكبر منذ 1948، بعد أن اعتقدت إسرائيل أن الأمور تحت السيطرة، خاصة مع موجة التطبيع التي ركبها عدد من البلدان العربية، وسط خذلان وانبطاح فاضح، مؤكدا أن المقاومة متواصلة، خاصة مع موجة التضامن العالمية التي تنم عن تغيّر نظرة المجتمعات الغربية، التي باتت في صف المقاومة الفلسطينية. وعن النقاط المتشابهة بين الاستيطان في الجزائروفلسطين، قال المتدخل، إنهما حالتان من الاستعمار الاستيطاني، لأن الأمر لا يتعلق فقط باستغلال الثروات، بل بتحويل السكان والقضاء عليهم لتغييرهم بسكان آخرين، وهو عامل مشترك يعكس الإبادة الجماعية التي تعرض لها الجزائريون فترة الاستعمار، ويواجهها الفلسطينيون حاليا. لكن الفرق بينهما يتجلى في أن الجزائر كانت محتلة من طرف دولة مستعمرة، بينما في فلسطين، نجد كيانا مصطنعا من طرف بعض القوى الكبرى، التي لها مصالح اقتصادية وجيو- استراتيجية هائلة في المنطقة، وتحتاج إلى مسير محلي للسيطرة عليها، إضافة إلى أن الفلسطينيين لا يقاومون دولة واحدة، بل الكيان الصهيوني المدعوم من الكثير من الدول الحاضنة والراعية له. أما الأستاذ أحمد سعادة، فعاد إلى مأساة الفلسطينيين في غزة، وكيف يحاول الإعلام الغربي إخفاء الإبادة التي يقودها الكيان الصهيوني، وقال إن التاريخ الإنساني يحفظ فظائع إسرائيل على مر العقود، لكن الإنسانية اليوم، تعيش حرب إبادة "على المباشر"، رغم أن الكثيرين ظنوا أن المعايير الإنسانية هي التي ستسود لا محال، لكن الراهن يؤكد أن الوحشية هي التي تقود العالم، مشيرا إلى أن بعودة ترامب إلى البيت الأبيض الأمريكي، سيكون الوضع كارثيا أكثر. وبلغة الأرقام، تحدث المتدخل عن حصيلة الحرب الإسرائيلية على غزة منذ "طوفان الأقصى"، التي خلفت 40 ألف شهيد، و50 ألف جريح، فيما أبادت 902 عائلة عن بكرة أبيها، ودمرت 80 بالمائة من المرافق الصحية، وهجرت تسعة أعشار العائلات الغزاوية، وارتقى 130 صحفيا، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة وبلوغ 120 ألف شهيد. للإشارة، يتضمن كتاب الأستاذ سعيد بوعمامة المعنون ب"الدليل الاستراتيجي لفلسطين والشرق الأوسط في قلب تناقضات العالم"، تقديم الأساسيات وفهم المعطيات الاقتصادية والجيو-استراتيجية والسياسية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والإبادة الحاصلة حاليا. لقد سمعتُ الكثير من التحاليل التي أراها مختزلة، فمثلا في فرنسا، يقال إن الكيان هو الذي يتحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن تل أبيب هي التي تعطي الأوامر لواشنطن، بالتالي عدتُ إلى تاريخ الصهيونية بأكمله وعلاقتها بفترة الانتداب البريطاني، ومصالح الإنجليز، وتاريخ الأكاذيب البريطانية، إضافة إلى النقاش حول الحروب العربية الإسرائيلية والدعم الغربي للكيان، لضمان تفوقه العسكري على الدول العربية مجتمعة. كما تطرقتُ للأسباب التي جعلت المقاومة تأخذ أشكالا مختلفة، والظروف المحيطة بأحداث السابع أكتوبر وتداعياتها.