عرضت ندوة "كتابات في السجن" نماذج من أسماء فلسطينية جعلت من الأسر فضاء رحبا للإبداع ولتوثيق المعاناة ومواصلة المقاومة، بعضها أصبح وثيقة تاريخية، فيما توقّف متدخّلون عند رواية "الشوك والقرنفل" التي كتبها الشهيد يحيى السنوار. الكتابات والتجربة النضالية النسائية حيث ركّزت كلّ تلك الكتابات على المقاومة. وتوقف عند الكاتبة زكية سقوطا التي توفيت بالجزائر والتي كتبت "أم مسعود" تروي فيها معاناتها في السجن بفلسطين تحت التعذيب والقهر، وقال بوحالة إنّه بكى عندما قرأ الرواية، خاصة عندما وصفت الكاتبة لحظة ولادتها وحدها في الزنزانة وظلّت مولودتها ملتصقة بها بالحبل السري حتى خرجت دماؤها من الزنزانة. من الكاتبات السجينات أيضا، ذكر المتدخّل عدّة أسماء منهن فدوى طوقان وسحر خليفة وسعاد غنيم وحليمة فرتيخ وليلى خالد وعائشة عودة، وكلهن كتبن سردياتهن بالسجن بوعي. وتحدّث يوحالة عن تجربة عائشة عودة المولودة في 1944 برام الله (عضو المجلس الفلسطيني وأستاذة رياضيات وعلوم) ومن أشهر ما كتبت "أحلام الحرية" و"ثمنا للشمس"، واستطاعت هذه المناضلة الأيقونة أن توثّق تجربتها المؤلمة تحت التعذيب الوحشي الذي تفنّن فيه السجّان. مما وثقته الكاتبة عودة، أنّه كلّما أخذ فلسطيني للأسر هدم بيت عائلته لتُشرّد، وغيرها من التجاوزات التي تهدف إلى ضرب المقاومة والصمود. وقال بوحالة إنّه لا يجب معاملة تلك الكتابات والسرديات والشهادات بعقلية الناقد الصارمة، علما أنّ كلّ تلك الكتابات ذات قيمة جمالية ومعنوية وهي صادقة وصريحة نقلت المعاناة بشكل لامس القلوب، ولم تخجل حتى من كتابة الفظائع التي تعرّضت لها كامرأة من السجّان .وكلّ تلك الكتابات تم تهريبها خفية من السجن تفاديا للعقاب لتكون صوت المقاومة وأيضا من أجل فضح الانتهاكات الجسدية والنفسية. بدوره، تناول الدكتور لونيس بن علي من جامعة بجاية (حضر مع طلبته) رواية "قناع بلون السماء" لباسم خندقجي التي فازت بجائزة البوكر العربية، هذه المدوّنة التي خرجت من السجن تحكي عن أحداث تجري خارج السجن، وكأنّ فلسطين هي السجن الأكبر يضيق بالعنف والتشويه والطمس، وهي أيضا سؤال كبير عن الهوية (بين شخصية نور الفلسطيني وأور اليهودي)، وبالتالي قال المتحدث إنّ الكاتب تجاوز السردية الكلاسيكية لأدب السجون، علما أنّه خصّص للرواية ورشة مع طلبته تجسّدت في كتاب. "الشوك والقرنفل" شهادة يحيى السنوار أما الدكتور اليامين بن تومي من جامعة سطيف، فتوقّف عند "السجن المفتوح والشخصيات المغلقة"، ليختار رواية "الشوك والقرنفل" للشهيد يحيى السنوار وهي من نصوص المقاومة التي تعتبر وثيقة تاريخية، حسبه، وقد استحضر المتحدّث شهادة الراحل إدوارد سعيد الذي كان يرى أنّ الرواية الفلسطينيةوالجزائرية بسياق المقاومة وهي في مواجهة الكولونيالية والاستعمار دون أن تلتفت في نصوصها إلى الفلسفة الغربية. استعرض المتحدّث بعضا من رواية الشهيد السنوار الذي يروي فيها القهر منذ طفولته وما عاشه هو وشعبه من تهجير وأسر وسجن وعقاب ومخيم، وصولا لسجنه حيث يعيد كغيره إنتاج المقاومة بنصية إنسانية يخاطب بها ضمير العالم المتشدق بالحرية والعدالة والأنوار، وبالتالي فإنّ الرواية هي إعادة تشكيل للوطن داخل التاريخ، وهكذا فإنّ السنوار لم يحك عائلته بل قصة شعبه الفلسطيني. كما أكّد الدكتور بن تومي أنّ رواية السنوار خالية من البكائيات ومن أيّ ضعف مبيّنا صورة السجين الأقوى من سجّانه المسترجل. خلال المناقشة، تمّ الدعوة إلى ضرورة البحث عن مثل هذه الأعمال وتقديمها خاصة وأنّ الجزائر أهل لذلك، وأكّد بن تومي أنّ التاريخ يكتبه ويتحدّث عنه الأقوياء وبالتالي يجب تكييف هذه النصوص مع القضية ونصرتها، وعلى الكاتب أن ينخرط في منظومة أمّته ونضالها، وتحرير النصوص من أثر الكولونيالية، وبالتالي تحرير العقل وتحرير النظرية الأدبية من الغرب وهذا دور الباحثين، كما يضيف، مشيرا إلى أنّ هناك شيئا ما يتحرّك في بلدان عالم الجنوب لتحرير نظرية التاريخ، ومن هنا يكون البناء والانطلاق. قال المتحدث أيضا إنّ الأدباء سبقوا المفكّرين والمؤرّخين والسياسة، كما تم الدعوة خلال المناقشة لضرورة الاهتمام بالأدب الصهيوني الذي لا حقّ فيه للعربي وهذا ما يمكّن بعض مثقفينا العرب من الخجل من تحسين صورة اليهودي في أدبنا العربي الراهن كنوع من التطبيع الثقافي .