أكد المشاركون في أشغال الملتقى الوطني "أدب المقاومة الوطنية في الجزائر، الثقافة في مواجهة الخطاب الكولونيالي" بالمكتبة الوطنية، على ضرورة دعم الجبهة الثقافية من أجل تحقيق الأمن الثقافي الشامل، مع الدعوة إلى مواجهة التطرف الفكري والديني المهدد للبلاد، والحرص على تنظيم الملتقى سنويا بطبعات ذات مواضيع مختلفة، فضلا على طبع محاضرات هذا الملتقى في كتاب ورقي وآخر رقمي، لتعم الفائدة، مع ترقية الملتقى إلى دولي، بمشاركة عربية وأجنبية، ودعوة مفكرين ومثقفين اشتغلوا على موضوع المقاومة. من توصيات الملتقى، الذي نظمه المركز الوطني للكتاب، في إطار الاحتفالات بسبعينية الثورة، ودام يومين، المطالبة بتأسيس مراكز وفرق بحث بالجامعات، تشتغل على خطاب المقاومة، واقتراح موضوع "الثورة وأسئلة الإبداع الأدبي"، وشهد اليوم الثاني، انعقاد جلستين علميتين. ترأس الجلسة العلمية الثالثة، الدكتور سعيد بن زرقة، تناول فيها البروفيسور الطيب بودربالة في مداخلته "ثقافة المقاومة من خلال السرديات الجزائرية"، مختلف تجليات ثقافة المقاومة، خلال العهد الاستعماري، من خلال بعض الأشكال السردية، وتمثل دورها في التعبئة والوعي، وبالمناسبة، تحدث الباحث الذي يلقب بأستاذ الأجيال، ل"المساء"، عن روح المقاومة المتأصلة لدى شعبنا، مؤكدا أن العلاقة مع فرنساوالجزائر "مهزومة"، وأن مثقفي والشخصيات السياسية الفرنسية لا زال عندها روح عدائية اتجاه بلادنا، ما يتجلى في عقدة التفوق والاستعلاء النابعة من اللاشعور الفرنسي. استحضر محدث "المساء"، من التراث الشعبي، مثلا كان يقوله الأجداد زمن الاحتلال، وهو "اركب العابر وتزوج العاقر واسكن الواعر"، أي التجهز للغزو في أي لحظة، ووصف الجزائر بالمرأة التي كثر عشاقها، فتباروا لينتصر أحدهم ويتملكها، ليس حبا فيها بل للاستيلاء على مجوهراتها، فانتقمت منه وتحولت من حسناء إلى "غولة"، وعند انتصارها يعود جمالها أحسن من الذي كان، ويكثر خُطابها وهذا هو تاريخ الجزائر. كما قال المتحدث، إن تاريخ المقاومة في القرن 19، لم يقتصر على السلاح، بل كان هناك مقاومة ثقافية وحضارية، تجلت في الأشعار والأساطير والحكايات الشعبية والأولياء الصالحين (حضارة المشافهة) وغيرها، ما أعطى عزة بالنفس تقوى بها الجزائري، متوقفا عند ثقافة المشافهة هذه، التي يستغلها مخبر الحضارة في جامعة باتنة. بعدها كانت مداخلة الباحثة آمال رشداوي بعنوان "كيف يعيد التابع كتابة تاريخه"، وجاء فيها أن إلحاق الثقافة الوطنية بالثقافة الوافدة وجعلها تابعة، متوقفة عند منطلقات فكر ما بعد الكولونيالية وثقافة الألفية الثالثة. أما الجلسة الرابعة والأخيرة من الملتقى، فترأسها الأستاذ محمد مرتاض من جامعة تلمسان، وقدم فيها البروفيسور عبد الحميد بورايو مداخلة بعنوان "صورة المقاومة في رواية "مرجاجو : شظايا وندوب" لابن شارف حميدي، ومستمدة أحداثها من الثلث الأخير من القرن 18 م، وتنتهي في العقد الأول من القرن 19، تنسج وقائع من زمن الاحتلال الإسباني للموانئ الجزائرية، وتصف حياة جزائري ابن قسنطينة يتدرج في السلم الاجتماعي، كي يصل للباي، ثم يسافر إلى الغرب الجزائري ويصبح صاحب تجارة بمعسكر، ثم الالتحاق بوهران وأهلها لمقاومة الإسبان، وذكر المحاضر قيم اللحمة الوطنية حينها وعلو الأخلاق بين العائلات والجزائريين فيما بينهم. بدورها، تناولت الأستاذة مديحة عتيق، من جامعة سوق أهراس، "الجهود الجزائرية في الدرس ما بعد الكولونيالية عمر ازراج وعز الدين هدول نموذجا"، مبرزة تأثير الثورة الجزائرية في ما بعد الكولونيالية، وفي مصطلحات علم الاجتماع، من ذلك "الرأسمال الرمزي"، الذي أسسه بيار بورديو حين دراسته للمجتمع التقليدي القبائلي، فيما عبرت الدكتورة نبيلة منادي من جامعة سطيف، في "مقاربة ثقافية في خطاب المنجز المعرفي المابعد كولونيالي - مدونة أزراج عمر نموذجا" عن الإحباط الذي أصابها، وهي تدرس لمدة 6 سنوات بجامعة ليون "3"، حيث طلب منها تغيير مدخل رسالتها للدكتوراه (الخطاب النقدي ما بعد الكولونيالي) لأكثر من 16 مرة، لاعتبارات ضيقة، معلقة على ذلك "خرجنا من المعسكرات في زمن الاحتلال إلى معسكرات الخطاب في الزمن الراهن". نالت المناقشة حيزا أوسع من التدخلات، جاء فيها أن أدب المقاومة إنتاج جزائري خالص، وأن كاتب ياسين مثلا، هو من حطم الخطاب الكولونيالي في الغرب، كما أكد الدكتور الزغيدي أن اللجنة الوطنية للتاريخ والذاكرة، تم فيها تفعيل 300 مؤرخ، وكذا قامات علمية بارزة، مثمنا رفع القيود على الباحث الجزائري في فرنسا، حيث لم يعد يخضع لرخصة وزارة الدفاع هناك، كما أشار إلى أن 70 بالمائة من المدونات المنهوبة كانت مكتبات.