يعتقد الدكتور حبيب بوخليفة، أستاذ المسرح بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، ببرج الكيفان، أن المؤسسة المسرحية الجزائرية حاليا، لم تتغير لأنها تستنسخ نفس الأشكال ونفس العادات، وأوضح في حوار مع ”الخبر”، أن الوهن والتمزق الذي يعاني منه العالم العربي برمته، عطّل المؤسسة المسرحية. كيف تنظر لواقع المؤسسة المسرحية حاليا؟ أعتقد أن المؤسسة المسرحية الجزائرية في مسارها وهمومها وتخلفها وتجاربها، مرتبطة بمفهوم ثقافة الدولة وليس دولة الثقافة، بعبارة أخرى لم تتحرر من قيود الإدارة المركزية، التي تعفّنت بمركزية القرار، في حين يحتاج الإبداع الفني المسرحي إلى هامش معتبر من الحرية والمسؤولية الثقافية الفنية، خصوصا عندما يتعلق الأمر باختيار الكفاءات في تسيير هذه المؤسسة التي بإمكانها أن تتجاوز مراحل الترقيع والابتداع والاتباع. لقد عرفت ازدهارا ظاهرا في أواخر الثمانينيات في ظل مشروع سياسي اجتماعي ثقافي واضح المعالم. واليوم، تعطلت الأجهزة الحسية والفكرية للمؤسسة المسرحية، ولم تعد قادرة أن تبحر في أعماق ما يحدث، وإدراك ما هو خطرا على تنفس الفن المسرحي الدرامي بمفهومه الجوهري الواسع والتواصل مع الجمهور وإثراء التجربة المسرحية بأشكال فنية تخترق الزمان والمكان وتجسد الوعي الجمعي في بناء الثقافة الجزائرية. لم تتغير المؤسسة لأنها ببساطة تستنسخ نفس الإشكال ونفس العادات ونفس الرداءة بنفس الأشخاص. هل العجز عن مسايرة التحولات الاجتماعية، هو سبب غياب الجمهور عن المسارح؟ لا يكمن العجز فقط في فشل المؤسسة المسرحية على تحسين إنتاج عروض مسرحية ذات مستوى جمالي عالي، بقدر ما يكمن في علاقتنا المحدودة نحن الجزائريين مع الفن المسرحي. ثم إن العروض المقدمة لا تستجيب إلى ضرورة فنية تتفجر فيها الأشكال والأفكار لتتميز عن باقي وسائل الاتصال. فالعروض لا تزال بدائية مدرسية بعيدة كل البعد عن المهنية الفنية التي يكتشفها المشاهد الجزائري عبر وسائل التواصل السمعي البصري المختلفة، كما أن من هبّ ودبّ أصبح مخرجا وكاتبا سينوغرافيا وحتى ممثلا للاستفادة أكثر من الريع. هل الخلل يكمن في الكتابة المسرحية؟ إن الأمر الحاسم في الفنون المسرحية أن الجمهور يعرف جيدا إن كان الأداء صائبا وجيدا، وذلك بعملية الإدراك والتوحد والإحساس بالوزن والشاعرية في اللغة. وهذا يتطلب عناصر بناء الكتابة الدرامية، التي تختلف عن سائر الأنواع الأدبية القصصية الأخرى وتبتعد عن الثرثرة السردية في الحوار ما أسميه مسرح الحشو، حيث تجد في نفس النص أشياء كثيرة متفرقة ومتناقضة من الأنواع المسرحية والمواقف. ثم الاقتباس الذي يتكاثر في زمن اللامسرح وسمح لكثير من الانتهازيين أن يرسموا خريطة طريق الممارسة المسرحية. اللذة الجمالية والإدراك الحسي للواقع، يجعل المشاهد يرتبط بما يحدث على الخشبة وهذا يبدأ بالكتابة. فالكاتب المسرحي حين يؤلف مسرحيته والمخرج عندما يبدأ بعملية تخطيط الإخراج والمنتج حينما يقوم بتوفير الشروط اللازمة لتنظيم العرض، كل هذه العناصر تجتمع لتركّب العرض المسرحي وتقدمه للجمهور الذي إما أن يتعوّد على الفضاء وإما ينفر عنه.