للمرّة الأولى في تاريخ مهرجان البندقية الفني الدولي، يستضيف المهرجان جناحا كاملا داخل معرضه الدولي الخامس والثلاثين مخصّصا لفلسطين، ويعكس المعرض التوجهات الحديثة للفن الفلسطيني بمختلف تعبيراته التي تستخدم الصورة والصوت والفيديو والأعمال التركيبية والإنشائية للتعبير عن المكان والهوية. ويستمر المعرض الذي انطلق ضمن بينالي البندقية في 7 جوان ولغاية الثلاثين من سبتمبر بمشاركة سبعة فنانين فلسطينيين هم تيسير بطنيجي، شادي حبيب الله، ساندي هلال، اميلي جاسر وجواد المالحي وكذا جواد رباح. ويحمل المعرض الجماعي عنوان "فلسطين بواسطة البندقية" ويستعير صورة وصول البريد إلى شخص معني عبر شخص آخر، كما يعبر عن "حالة اللااستقرار المزمن التي يعيشها الفلسطينيون" في الأراضي المحتلة أوالمحاصرة كما توضح سلوى المقدادي المشرفة على المعرض في الكتيب التقديمي للجناح، ويكمّل معرض البندقية المعرض المقام حاليا في معهد العالم العربي في باريس والذي يحمل عنوان "فلسطين.. الإبداع في كلّ حالاته" المستمر لغاية 22 نوفمبر، ويعتبر بدوره أهمّ معرض فني فلسطيني تشهده العاصمة الفرنسية. وتشارك أعمال بعض الفنانين الحاضرين في معرض باريس بمعرض البندقية مثل اميلي جاسر التي تعمل على الأثر وتيسير بطنيجي الذي يعمل على مواضيع الهجرة والتنقّل الدائم وعلى الذاكرة التي يشاركه العمل عليها خليل رباح، وتعطي الأعمال المقدّمة في البندقية فكرة عن نهضة الفن الفلسطيني الحديث وتعدّديته واختلاط تقنياته وكونه قائما دائما في هذا البحث المستمر عن الذات والهوية والوطن وامتلاك كل هذه الأشياء التي تبدو غير أكيدة وتنطلق كلها من علامات وندوب الحرمان الذي لحق بهذه الذات والإجحاف الذي طالها. وتمتلك الأعمال الفنية عموما فعل الفن وفعل قول الذات والتعبير عنها لتثبت في الوجود خارجة من الوجع الراهن والمستمر ومستقرة في مساحة الفن المفتوحة على الأمل بعكس الواقع المغلق، ويعرض جواد المالحي في البندقية صورا تعيد إنتاج فلسطين وجغرافيتها بواسطة عمارة مخيمات اللاجئين ومن موقع هامشيتهم التي لا تحتمل كما يركز مشروعه على مشاهد بانورامية لمخيم شعفاط في القدس التقطت من فوق التلال المحيطة بالمخيم. ويفحص هذا الفنان الفلسطيني من خلال الصور والفيديو تركيبات المخيم المعمارية وتحوّلها المستمر نتيجة الضغط السكاني ويصور كذلك تجربة الخوف من الأماكن المغلقة والاحتواء ورتابة الزمن في بيئة مغلقة. أمّا الفنان والمعماري خليل رباح فيقدم مشروع "من أجل نقاط ضوء خمس" وهو عبارة عن نقل مباشر لقرويين فلسطينيين يعملون في ترميم أبنية تاريخية في الضفة الغربية ويحيي من خلالهم جغرافيا خمسين قرية فلسطينية تترابط لتقول ان فلسطين لا تقوم فقط في النظرية وإنّما أيضا على أرض الواقع، وقدّم الفنان تيسير بطنيجي تساؤلات حاورت الواقع والحلم. أمّا اميلي جاسر فركّزت على نقاط التواصل بين البندقية والعرب وحيث تعتبر هذه المدينة المكان الأكثر شرقية في أوروبا، ويشير مشروعها "ستاسيوني 2008 -2009 " إلى العلاقة العميقة الجذور بين البندقية والشرق وشعوب المتوسط. وعملت ساندي هلال مع فنان ايطالي هو اليساندرو بيتي لتقدم لوحة "عارض رام الله" التي تناقش مفهوم الحرية في هذه المدينة، ويناقشان فكرة غياب الصورة لكنهما يفتحان فضاء بديلا تتعدد فيه الحوارات، أمّا شادي حبيب الله فصوّر أشكالا شبه آدمية تشير إلى أفكار لا تحدها المساحة لكنها مرتبطة بسكان الأمكنة. وعموما فإنّ الأحداث والسيرة الشخصية للفنانين تتقاطع مع التاريخ ويرتبط العام بالخاص في فضاءات مفتوحة ناشطة مصورة بالأمل، وتتجاوب الأعمال جميعا مع الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الفلسطيني وتتناول مواضيع محلية لكنها تحمل في قلبها الحس الإنساني الذي يندرج ضمن خطاب فني عالمي متنوع ومتعدد. وخارج الجناح الفلسطيني ضمن المعرض العالمي قدمت أعمال الفلسطينية جمانة اميل عبود المقيمة في كندا والتي رفعت، كما تقول، أشياء وأدوات الحياة اليومية إلى مكانة رمزية وقدمت فيديو "الغطاس" الكامن في ذكريات الطفولة الفردية لكن المرتبط بذاكرة الجماعة، ويبحث غواص جمانة عبود الغامض داخل الماء عن القلب لكن لا وجه له ولا جنسية أوهوية، ويزور أماكن لا تخضع لأيّ سلطة وليس بها حواجز ومن دون عوائق ويستمر في البحث عن شخص أوشيء يجعله يشعر بالطمأنينة والهدوء والسلام.