❊ أم القضايا تتصدر معارك الدبلوماسية الجزائرية لرفع الظلم عن الفلسطينيين ❊ المساهمة قولا وفعلا في إعلاء قيم المنظمة الأممية ❊ دعم مطلق لقضايا التحرر وحضور قوي في المحافل الدولية لم تمر سنة 2024 دون أن تترك بصمات متميزة في ملفات السياسة الخارجية للجزائر، التي اتسمت بالنوعية والصرامة في التعاطي مع القضايا الدولية الشائكة، على مستوى المنظمات الدولية، مستندة في ذلك، إلى رصيدها الدبلوماسي المستلهم من مبادئ بيان أول نوفمبر، الذي أضفى الخصوصية على النضال السياسي للجزائر، والمرتكز على الحرية واحترام السيادة للدول، وعدم التدخل في شؤون الغير، ما جعلها تحظى بمكانة محترمة بين الدول، التي تتقاسم معها نفس المبادئ والقيم. التطورات المعقدة التي ميزت المشهد العالمي سنة 2024، لم تثن الدبلوماسية الجزائرية عن مجاراة سلسلة الأحداث المتسارعة على الصعيد العالمي، خاصة مع استلامها مهمتها بمجلس الأمن، كعضو غير دائم، حيث أصبحت بمثابة "ضمير" هذا المحفل الأممي في الدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وبفوزها بأغلبية ساحقة بهذا المنصب الذي استلمته بداية الشهر الجاري، تكون الجزائر قد رصعت مجددا مجدها الدبلوماسي بأحرف من ذهب، كونها لم تخيب آمال الدول الإفريقية والعربية المعلقة عليها، للدفاع عن القضايا العادلة في العالم. ولعلاقة الجزائربالأممالمتحدة تاريخ مليء بمراحل مضيئة، أسهمت في نسجها إسهامات الثورة التحريرية لتكريس حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها، وفي مقدمتها اللائحة التاريخية 1514 للجمعية العامة، التي تضمنت "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة". وشاءت الصدف، أن تم اعتماد هذه اللائحة في 14 ديسمبر 1960، أي ثلاثة أيام بعد المظاهرات العارمة التي عرفتها الجزائر في 11 ديسمبر، وهي المظاهرات التي زادت من صدى الثورة التحريرية، وقربت موعد استقلال الجزائر. المساهمة قولا وفعلا في إعلاء قيم منظمة الأممالمتحدة ما رسخ هذه العلاقة، هو العهد الذي قطعته الجزائر على نفسها حين انضمامِها لهذا المحفل الأممي، بأن لا تدخر جهدا في سبيل المساهمة قولا وفعلا، مرافعة وممارسة، في سبيل إعلاء القيم والمبادئ، التي قامت عليها ومن أجلها منظمة الأممالمتحدة. وعليه، فقد سجلت الجزائر طيلة العقود الست الماضية، حضورها المتميز وانخراطها الفعلي في جل الجهود الرامية إلى تحقيق المقاصد النبيلة المكرسة في الميثاق الأممي، في ظل منظومة دولية كانت ولاتزال تطالب باحتكامها لمبادئ المساواة السيادية، والترابطية المنصفة والاحترام المتبادل وتحريم المساس بالشأن الداخلي للدول. واستلهاما من هذا الإرث التاريخي، تعمل الجزائر، بقيادة رئيس الجمهورية، على تعزيز دورها الدبلوماسي البناء على الساحة الدولية، وكذا في مختلف فضاءات انتمائها العربية، الإفريقية والمتوسطية، ودليلها في ذلك إخلاصها للقيم والمبادئ التي صقلت هوية سياستها الخارجية، المتمثلة في الحرية والعدالة والتضامن والتعاون، علاوة على مبادئ احترام ميثاق الأممالمتحدة والتقيد بالشرعية الدولية والوفاء بالالتزامات المعقودة. وكان الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية في الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أكد فيه التزام الجزائر بمبادئها الثابتة في نصرة القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بمثابة تذكير بثبات الجزائر على مواقفها، رغم المتغيرات الجيو-استراتيجية التي يشهدها العالم، جراء تفشي بؤر التوتر وحالة اللاأمن التي تعيشها الكثير من الدول. معارك دبلوماسية لصالح القضية الفلسطينية كما لخصت مرافعات الجزائر المتعددة، المبادئ الثابتة التي توارثتها منذ الثورة التحريرية، والتي تأتي على رأسها قضايا التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها، حيث لم تتردد في استغلال عضويتها داخل مجلس الأمن، لخوض معارك دبلوماسية لصالح القضية الفلسطينية منذ بداية طوفان الأقصى، بدءا بدعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة بمنظمة الأممالمتحدة، مرورا بالعمل على رفع الظلم عن الفلسطينيين، من خلال حشد الدعم الدولي، لإرغام الكيان الصهيوني على وقف فوري لإطلاق النار، وصولا إلى دعم جنوب إفريقيا في مسعاها، لمتابعة مجرمي الكيان الصهيوني في المحكمة الجنائية. ومن بين ثمار جهود الدبلوماسية الجزائرية، مصادقة غالبية دول العالم، في ماي الماضي، على عضوية فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد اجتماعات مراطونية، دعت إليها الجزائر على مستوى مجلس الأمن الدولي. بدورها، أخذت القضية الصحراوية حيزا من أجندة الجزائر، باعتبار أن الملف مصنف ضمن قضايا تصفية الاستعمار في الهيئة الأممية، حيث عملت بلادنا على قدم وساق من أجل إيصال صوت الشعب الصحراوي، والدعوة لاحترام الشرعية الدولية، بعد تسجيل الانتهاكات المتكررة للمخزن على الشعب الصحراوي. وكان لهذه المساعي، الانعكاس الواضح في قرارات محكمة العدل الأوروبية، التي لطمت نظام المخزن بعد إقرارها ببطلان اتفاقيات التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، المتعلقة بالثروات المستغلة في الأراضي الصحراوية المحتلة. وتميز الحضور الفاعل للجزائر، عبر الجلسات المخصصة على مستوى مجلس الأمن، من أجل مناقشة معضلات ليبيا، اليمن، مالي ومنطقة الساحل وغيرها، من بؤر التوتر، والتأكيد على مواقفها الثابتة اتجاه المقاربات السلمية في حل هذه الأزمات، وبلا شك، فإن الثقة التي اكتسبتها دليل على أنها أصبحت قوة استراتيجية، من شأنها الإسهام بقسط كبير في تحقيق السلم والأمن الدوليين. فقد أصبحت الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الأخيرة، تتميز بصراحة وندية أكبر في التعاطي مع القضايا الدولية، حيث انعكس ذلك على مواقفها الرافضة للسياسات الاستعمارية الجديدة، أو الابتزاز السياسي، متمسكة بمواقفها القوية في جميع المحافل الدولية. وبحكم أنها تقع في قلب منطقة مضطربة، تشهد العديد من النزاعات المستمرة، مثل الأزمات في ليبيا ومالي والصحراء الغربية، فإن الجزائر تعمل جاهدة على دعم الجهود الدولية لحل هذه النزاعات، لكنها تظل يقظة، لضمان حماية أمنها القومي ومصالحها الإقليمية. ربط علاقات وثيقة مع عدة دول شقيقة وصديقة من جهة أخرى، حرصت الجزائر على ربط علاقات وثيقة مع عدة دول شقيقة وصديقة، حيث لفتت مشاركة رئيس الجمهورية في قمة السبع بباري الإيطالية، اهتمام المتابعين وطنيا ودوليا، وكانت للرئيس تبون فرصة لإجراء سلسلة لقاءات ومحادثات مع كبار قادة ورؤساء دول العالم ومسؤولي منظمات دولية وإقليمية وقارية. فضلا عن ذلك، أولى رئيس الجمهورية أهمية بالغة للمشاركة في الاجتماع التشاوري الأول، المنعقد في تونس بين قادة كل من الجزائروتونس وليبيا، ما جعل عديد المتتبعين يصفون حضور الجزائر في هذا الاجتماع بالخطوة الهامة، كونها تعزز الانتصارات التي حققتها الدبلوماسية الجزائرية سنة 2024. كما كانت زيارة رئيس الجمهورية لمصر بمثابة أول زيارة له إلى الخارج، بعد إعادة انتخابه لعهدة ثانية شهر سبتمبر الماضي، والثانية له بعد تلك التي كانت شهر جانفي 2022، في حين كانت زيارته لمسقط بمثابة حدث تاريخي، كونها تعد أول زيارة لرئيس جزائري إلى سلطنة عمان. وكانت للرئيس تبون زيارة هامة إلى موريتانيا، للمشاركة في مؤتمر دولي حول "التعليم وتشغيل الشباب بإفريقيا"، وقد صنعت الزيارة الحدث، باعتبارها أول زيارة لرئيس جزائري إلى نواكشوط منذ نحو 37 سنة، علما أن آخر زيارة للرئيس الراحل الشاذلي بن جديد كانت عام 1987 لمدينة نواذيبو الموريتانية، لتدشين مصفاة نفط في عهد الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع. بدورها، تحولت الجزائر إلى مقصد لرؤساء الدول والحكومات، على غرار زيارة رئيسة جمهورية الهند دروبادي مورمو، التي استغرقت أربعة أيام، وهي الأولى من نوعها لرئيس هندي إلى الجزائر، وتميزت بعقد أشغال المنتدى الاقتصادي الجزائريالهندي، والاتفاق على ترقية مستوى التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين. كما كان لرئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا زيارة هامة للجزائر، ضمن رغبة البلدين بالمضي قدما في الشراكة التاريخية والاستراتيجية التي تربطهما، خصوصا في ظل توافق البلدين السياسي حول أغلب الملفات والقضايا الأفريقية والدولية، وقد ألقى ضيف الجزائر خطابا استثنائيا أمام نواب البرلمان، تطرق خلاله إلى قوة العلاقات الثنائية. وقبل ذلك، قام الرئيس التونسي قيس سعيد، بزيارة للجزائر، للمشاركة في الاحتفال بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية، وهي الزيارة الخارجية الأولى له منذ انتخابه لولاية ثانية. على الصعيد الأفريقي، تلتزم الجزائر منذ سنوات، بضرورة رفع الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة في عدم حصولها على مقاعد دائمة في مجلس الأمن، حيث تعمل مع شركائها الأفارقة على تقديم مبادرات لإصلاح النظام الدولي، وجعل إفريقيا لاعبا أساسيا في صناعة القرار الدولي. وانطلاقا من اهتمامها بالعمق الأفريقي، تسعى الجزائر إلى تفعيل دورها في الدبلوماسية الاقتصادية، لجذب الاستثمارات وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، من خلال العمل على الانتقال إلى السرعة القصوى في مسارين اثنين، مسار توطيد العلاقات الثنائية التي تجمع الجزائر بأشقائها الأفارقة، وكذا مسار تعزيز مساهمة الجزائر في العمل الأفريقي المشترك تحت راية الاتحاد الأفريقي، ولعل استحداث رئيس الجمهورية لكتابة دولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلفة بالشؤون الأفريقية، لدليل على الأهمية التي يوليها لهذا التوجه الجديد. والأمر نفسه بالنسبة لكتابة الدولة المكلفة بالجالية الوطنية في الخارج، والتي يريدها الرئيس تبون أن تجسد التصور الشامل والمتكامل الذي وضعه بخصوص دور ومكانة الجالية الوطنية في مسار التجديد الوطني، وفرض المصلحة الوطنية والدفاع عنها مهما كانت طبيعتها وأبعادها. وعليه، يمكن القول، إن الرئيس تبون كرس تصورات جديدة للدبلوماسية الجزائرية، من أجل إضفاء حيوية أكبر وحركية أقوى على دور الجزائر إقليميا ودوليا، قصد إعادة هيبتها في جميع فضاءات انتمائها العربية والإسلامية والأفريقية والمتوسطية والدولية بشكل عام، كشريك ملتزم وموثوق، خاصة وأن المرحلة الراهنة تفرض بذل المزيد من الجهود، بالنظر إلى تطورات متسارعة، تلقي بتهديدات متنامية في عالم متصدع، من جراء التجاذبات والاستقطابات وتصاعد منطق اللجوء إلى القوة، والإفراط في استعمالها، للاستقواء على الضعفاء والنيل من حقوقهم المشروعة.