هل يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في قلب إعصار العدالة الدولية للاقتصاص من جرائمها التي ارتكبتها في قطاع غزة خلال عدوانها الهمجي الأخير على هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية والذي خلف استشهاد ما لا يقل عن 1400 فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء ناهيك عن آلاف الجرحى؟. سؤال يعاد طرحه مجددا بعدما أوصى أمس ريتشارد غولدستون رئيس اللجنة الدولية المكلفة بتقصي الحقائق في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة بضرورة معاقبة المسؤولين عن الجرائم البشعة التي شهدها القطاع في حرب الثلاثة أسابيع. وجاءت توصيات غولدستون خلال عرضه أمس لتقريره حول الحرب الإسرائيلية في غزة على مجلس حقوق الإنسان المتواجد مقره بمدينة جنيف السويسرية. وأكد التقرير مجددا أن إسرائيل خرقت بشكل خطير حقوق الإنسان وارتكبت جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية مما يستلزم معاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي اقترفها جنود الاحتلال أمام مرأى ومسمع العالم اجمع. وكل يتذكر تلك الصور البشعة والتي تقشعر لها الأبدان التي نقلتها شاشات العالم لجثث أطفال ونساء وشيوخ ملطخة بالدماء والمتناثرة أشلائها تحت أنقاض البيوت المنهارة وعلى الأرصفة والطرقات المدمرة. واعتبر المحقق الأممي أن عدم مساءلة مرتكبي جرائم الحرب في الشرق الأوسط وصل إلى "حد الأزمة" ويقوض أي أمل في إحلال السلام. وقال أن "ثقافة الحصانة في المنطقة استمرت أطول مما يجب وعدم المساءلة عن جرائم الحرب وجرائم حرب محتملة ضد الإنسانية وصل إلى حد الأزمة في حين يقوض غياب العدالة المستمر أي أمل في عملية سلام ناجحة وأكثر من ذلك يرسخ المناخ الذي يشجع أعمال العنف". وطالب ريتشارد غولدستون كلا من إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بإجراء تحقيقات شفافة ذات مصداقية في الانتهاكات التي شهدها قطاع غزة خلال هذه الحرب البشعة. وحث بالمقابل مجلس حقوق الإنسان الذي يضم 47 دولة على التصديق على تقرير لجنته الذي في حال ما إذا تمت المصادقة عليه وهذا أمر يبقى مستبعد يعني إحالته على مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لاتخاذ قرار بشأنه. وهو الأمر الذي أثار حفيظة حكومة الاحتلال التي أكدت أنها ترفض الاعتراف بتوصيات التقرير واتهمت غولدستون بالانحياز إلى جانب من وصفتهم ب"الإرهابيين" في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس". وحاولت حكومة الاحتلال التي لا يزال شبح القضاء الدولي يلاحقها بسبب حربها على غزة تبرير ما قامت به من جرائم فاقت في جبنها ما تسميه بالمحرقة النازية وزعمت أن القصد منها هو منع الناشطين الفلسطينيين من شن هجمات صاروخية على مستوطناتها الجنوبية وهو عذر أقبح من ذنب. فإسرائيل التي ردت على قذائف صاروخية لا يتعدى مفعولها تدمير منزل بصواريخ طائرات "أف 16" الأمريكية المقاتلة وقنابل الفسفور الأبيض المحظورة دوليا تسعى في كل مرة إلى الظهور بمظهر الضحية التي يجب الوقوف إلى جانبها. ولكن كل الخوف أن يتجنب مجلس حقوق الإنسان المصادقة على توصيات هذا التقرير مما يفرغه من محتواه الجوهري ليلقى بذلك مصير مئات الدعوات والنداءات المطالبة بمعاقبة مجرمي الحرب الإسرائيلية على غزة والتي لم تلق أية أذان صاغية. ويعزز هذه المخاوف كون الولاياتالمتحدةالأمريكية الحليف الدائم لإسرائيل اتخذت موقفا معارضا بعدما انتقدت تقرير غولدستون واعتبرته منحازا للطرف الفلسطيني. وقال ايان كيلي متحدث باسم الخارجية الأمريكية "إننا نشعر بقلق من القراءة الأولى إزاء بعض من توصياته". ولا يعتبر موقف واشنطن مفاجئ وهي التي وقفت مرارا إلى جانب إسرائيل داخل مجلس الأمن الدولي ومنعت صدور أي قرار يدينها على حساب حقوق شعب اغتصبت بقوة الحديد والنار. ولكن غولدستون الجنوب إفريقي أشار إلى أن لجنته المكونة من أربعة أعضاء تعرضت "لوابل من الانتقاد" بسبب النتائج التي خلصت إليها وأكد أن التحقيق لم يكن له أي دوافع سياسية.