رغم غطرسة الاحتلال الإسرائيلي واغتصابه للأراضي الفلسطينية إلا أن هذا الشعب الأبي لايزال محافظا على تقاليده الرمضانية المتوارثة أبا عن جد، ويشكل شهر رمضان المعظم في فلسطين على مر العصور وإختلاف الحقبات وإكتساح تكنولوجيا التطور عادات ومظاهر ثقافية خاصة توارثتها الأجيال ورسختها جيلاً عن جيل لتبقى خالدة في ذاكرة التاريخ، ومازال الشهر الفضيل إلى يومنا هذا يجسد صورة حية للتآخي والتراحم والتضامن بين العائلات الفلسطينية الصامدة في وجه المحتل اليهودي. وتتشابه عادات الشعب الفلسطيني المسلم مع عادات الشعوب الإسلامية النابعة من الإسلام الحنيف. وكشف الصحفي وسام أبو زيد الفلسطيني ل«السياسي» أن هناك محاور رئيسية في رمضان يعاني منها الفلسطينيون كنقص الكهرباء وغلاء المعيشة وإغلاق المعابر على المعتمرين إضافة إلى الحواجز العسكرية المؤدية للقدس الشريف، وأكد وسام أبو زيد ازدياد الإفطارات الجماعية للمواطنين الفلسطينيين نظرا لتدهور الحالة الاقتصادية، كما وزعت طرودا للعائلات في ظل عدم قدرتهم على توفير قوت يومهم. عادات متجذرة رغم رياح العصرنة تبدأ فلسطين في الاحتفال بشهر رمضان بمجرد رؤية هلاله، حيث تصدح المساجد بالدعاء والابتهالات معلنة الصيام، ويتجه المسلمون إلى المساجد ليؤدوا صلاة التراويح، وتخرج جموع الأطفال تحمل الفوانيس، تلك التقاليد القديمة السارية المفعول إلى الآن، ويحرص أولياء الأمور على إدخال البهجة على نفوس أطفالهم من خلال شرائها لهم. وبمناسبة حلول الشهر الفضيل يقوم «كبير العائلة» أو من ينوب عنه بزيارة أرحامه وتقديم الهدايا بمناسبة حلول الشهر الفضيل، وغالباً ما يتم هذا البعد الإفطار. وكغيرها من البلدان تصحو فلسطين على صوت «المسحراتي» بطقوسه المصاحبة لقدومه كالنقر على الطبل بقوة، وذكره لله عز وجل، والأناشيد الرمضانية العذبة التي تُوقظ النيام ك«إصحى يا نايم.. وحد الدايم». رمضان الفلسطيني يبدأ من القدس يبدأ شهر رمضان المعظم في فلسطين من مدينة القدس، حيث المسجد الأقصى الذي أصبح الوصول إليه للقادمين من خارج المدينة أحد أكبر المستحيلات نتيجة الحواجز العسكرية والانتشار المكثف لجنود الاحتلال أمام زوارها المسلمين، كل ذلك، عزل المدينة المقدسة عن العالم. .. صمود رغم الاحتلال ورغم الاحتلال وتجسيده للسياسة الاستعمارية إلا أن الفلسطينيين لم يعرفوا لليأس طريقاً، إذ انتشر باعة الحلويات المشهورة وعلى رأسها القطايف على مداخل البلدة القديمة، فيما تفنن باعة الخضار والفواكه في عرض بضاعتهم مما تشتهي الأنفس. ورغم الظروف الصعبة التي فرضها تواجد المحتل، إلا أن أهل القدس حريصون على العادات الرمضانية المحببة ومنها إعمار المسجد الأقصى، والحرص على أداء جميع الصلوات فيه وخصوصا صلاة التراويح والجمعة وليلة القدر، وتتعاون فرق الكشافة الفلسطينية مع حراس دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تنظيم حركة السير عبر أبواب الحرم وخاصة لدى خروج المصلين واكتظاظهم بأعداد كبيرة، كما تقوم هذه الفرق بتقديم الخدمات للمصلين والسهر على راحتهم والمحافظة على النظام. أمسيات رمضانية يومية بسوق القطانين المجاور للأقصى ويشهد سوق القطانين المجاور للمسجد الأقصى أمسيات رمضانية يومية بعد انتهاء صلاة التراويح تتألق فيها فرق الإنشاء الديني في إمتاع الحاضرين بالأناشيد الدينية والمدائح النبوية، إضافة إلى الخطب والحلقات الدراسية والدينية والفقهية لعلماء المسلمين. وفي غزة، ومضان الحالي مشابها لظروف متكررة مرت بها سابقا، إذ لازال الاحتلال يقتل، يدمر ويحرق، ورغم كل ذلك لم تنجح قوات الاحتلال من سلب هيبة قدوم الشهر الكريم، الذي يدخل البهجة إلى قلب كل مسلم، رغم الجراح التي تنزف كل يوم، في شارع, عمر المختار، الأشهر في غزة، تتراوح اليافطات على المحال التجارية معلنة عن توفر سلع رمضانية خاصة لديها، من الحلويات الفلسطينية، إلى قمر الدين والتمر والقطايف واللحوم الطازجة والأجبان، فيما تصطف على الجدران بوسترات تحمل تهاني الحركات والفصائل الفلسطينية بحلول الشهر الكريم. تقاليد متوارثة أبا عن جد أجمعت عائلات فلسطينية على فتور نكهة شهر رمضان المعظم مقارنة بالسابق غير أن هذه العائلات لازالت محافظة على أصالتها فقاطنوا قرية يبنا قضاء الرملة التي يحدها من الجنوب السدود ومن الشمال يافا ومن الشرق زرنوقه ومن الغرب البحر المشهورة بالزراعة لازالت متمسكة بعاداتها حيث يقووم هؤلاء قبل رمضان بيومين أو ثلاثة يحضرون جرات فخار وقلل للماء، بالإضافة إلى بعض الحاجيات ويصنعون الجبنة والشعيرية على أيديهم ، كما كان أهل يبنا يقدموا للفقراء قبل حلول شهر رمضان ما يحتاجونه من طحين وعدس وفول، وفي بداية رمضان كان من لديه مزرعة يقدم للفقراء الخضار والفواكه، كما أن أهل القرية كانوا يخرجون زكاتهم في بداية الشهر حتى يتمكن مستحقوها من شراء ما يحتاجونه، وفي العيد كان الجار الموفور الذي يعمل لا ينسى أبناء جاره الذي مات أو الذي لا يعمل لمرض ما ، فيشتري لهم الملابس والطعام كما يشتري لأبنائه بالضبط، وفي أيام العيد يقوم رجال القرية بزيارة الأيتام والفقراء، أما الأطفال فيستغلون الأوقات في اللعب بالفوانيس. أما في مدينة غزة فكان سكانها يتناولون طعام الإفطار عند بعضهم البعض وكذلك السحور، وقد كان ميسور الحال يساعد الفقراء والأرامل والأيتام، كما كانوا في المساجد يقيمون الولائم للفقراء، وبعد تناول الإفطار يتبادل الناس الزيارات فيما بينهم. وتعبر بعض العائلات الفلسطينية بالقول «لا نشعر بتلك السعادة وذلك الاطمئنان الذي كنا نتمتع به سابقا ، فقد احتل اليهود أرضنا واصبحوا يقتلوننا صباح مساء». وتجمع العائلات الفلسطينية على أن شهر رمضان كله خير وبركه ففيه تزداد أواصر العلاقات الاجتماعية والأسرية بين الأسرة الواحدة وبين العشيرة، وتبرز صور التكافل الاجتماعي بما يحقق المتعة، ويتفرد هذا الشهر بخصوصية عن باقي الشهور العام سواء في السلوك أو في العلاقات أو الإفطار والسحور بفعل انتهاج آداب رمضان. ولرمضان في فلسطين مذاق خاص فرغم الضنك والمعاناة والجراح والآلام تجد الناس في تواصل وتواد وتراحم ، وتمتد الأيدي الرحيمة لتمسح دموع الأيتام وترعى أسر الشهداء والأسرى وتقوم جماعات من الناس بعيادة المرضى في المشافي وتقديم هدايا رمزية، وتزداد صلة الأرحام ، كما تنتشر الولائم والإفطارات الجماعية في المساجد. سيما في ظل امتلاء المساجد بعمّارها من الأشبال والشباب والشيوخ، حتى النساء تحضر لصلاة التراويح النبي. أشهر الأكلات الفلسطينية في رمضان لازالت الأسر الفلسطينية محافظة على موائدها الرمضانية التفليدية، وتتربع عديد الأكلات الشعبية المشهورة في فلسطين عرش الموائد الرمضانية على غرار أكلة المفتول المقلوبة والملوخية والحلويات الرمضانية كالقطائف والكنافة والعوامة وغيرها من المأكولات الأخرى. ويتميز الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة عن غيره من الشعوب بأصناف معينة من الطعام والشراب في شهر رمضان، وتكاد تتسم كل منطقة بنوع معين من الأكلات فالمقلوبة والسماقية والمفتول والقدرة تغزو موائد غزة، بينما يتربع على عرش موائد الإفطار في الضفة الغريبة المسخن والمنسف، ولا تخلو موائد الإفطار الفلسطينية من المتبلات والمخللات بأنواعها والسلطات المختلفة لفتح الشهية بعد صوم عن الطعام طوال النهار، ولا تزال أكله، الحمص، والفلافل تتربع على عرش المأكولات الشعبية، وتوضع على كل مائدة، شأنها شأن مقبلات الطعام الأخرى، وتعد التمور بمختلف أشكالها وأنواعها عروس مائدة الإفطار الفلسطينية، وإلى جانب التمور تصطف المشروبات بألوانها والتي يأتي في مقدمتها «شراب الخروب» الذي يباع عادة في فلسطين في الساحات العامة والأسواق، غير أن الأمر يختلف في رمضان فيدخل هذا الشراب غالبية المنازل الفلسطينية وإلى جانبه تصطف أشربة عرق السوس، وقمر الدين، والكركديه، والعصائر بأنواعها لتزين الموائد الفلسطينية في الشهر الفضيل.