اجتاحت موضة الملابس الواسعة أو ما يُعرف ب"إيكس لارج"، شوارع قسنطينة في السنوات الأخيرة، لتتحوّل من مجرد خيار لباس شبابي إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية، تعكس مزيجا من الانفتاح على تيارات العولمة، والانتماء إلى ثقافة "الهيب هوب"، والرغبة في التميز داخل مجتمع لايزال يتسم بقدر من التحفظ. ولعل ما كان في البداية عبارة عن موضة عابرة، أصبح، اليوم، أسلوب حياة جديد، يتبنّاه المراهقون ذكوراً وإناثاً. ويعبّرون من خلاله عن ذوقهم، وهويتهم. تتميز هذه الموضة باختيار ملابس تتجاوز حجم الجسم بعدة مقاسات، مع ميل إلى السراويل الفضفاضة والمتدلية التي تلامس الأحذية، والقمصان العريضة ذات الأكمام الطويلة، مع ميل إلى إضفاء طابع "غير مكترث"، أو"متحرر"، حسب شعار من يرتديها، عبر ألوان قاتمة. وقد طوّع الشباب القسنطينيون هذه الموضة بلمسات محلية، مثل دمج أقمصة تحمل شخصيات من عالم "الأنيمي" الياباني (مثل "ناروتو" و«أوتاكو")، أو ألعابا إلكترونية شهيرة (ك«بابجي" وغيرها، ما يعكس تداخل التأثيرات الثقافية بين الشرق والغرب. "تيك توك" و«إنستغرام" منصَّتا ترويج خفيّتان لا يمكن فصل الانتشار السريع لموضة "إيكس لارج"، عن دور منصات مثل "تيك توك" و«إنستغرام"، حيث تحوّلت الإطلالات الواسعة إلى "فيروسات بصرية"، تنتقل عبر الفيديوهات القصيرة، إذ يُشارك المؤثرون المحليون والعالميون صورهم بإطلالات مُبالغ فيها، مدعومة بموسيقى "الراب" و«الهيب هوب"، ما يخلق حلقة من التقليد بين المراهقين. "الهيب هوب" الإيقاع الذي يهزّ الأزياء ترتبط "إيكس لارج" عضوياً بثقافة الهيب هوب، التي تحوّلت من مجرد موسيقى إلى أسلوب حياة منذ ظهورها في السبعينيات بأحياء نيويورك. فملابس النجم الأسطوري "بوب مارلي" قديما والكثير من فناني هذا النوع من الموسيقى الجديد، أصبحت مرجعية للشباب الباحثين عن التمرد على الأنماط الكلاسيكية. وفي قسنطينة، تزامن انتشار هذه الموضة مع صعود فرق راب محلية، باتت تعتمد الأزياء الواسعة في عروضها، ما عزّز ارتباطها بالهوية الشبابية. الفتيات وال"إيكس لارج".. تمرُّد أنثوي بلمسات ذكية لم تعد موضة "الإيكس لارج" حكرا على الذكور فقط، بل امتدت إلى الفتيات أيضا، مُحدثة تحولًا في مفهوم الأناقة التقليدية. فإذا كان الذكور يعبّرون عن انتمائهم الثقافي عبر هذه الموضة، فإن الفتيات حوّلنها إلى وسيلة لإعادة تعريف الأنوثة في مجتمع محافظ، عبر إضافة أكسسوارات لامعة، أو ربط الأحزمة حول الخصر لتحديد القوام، أو دمج الحجاب مع القمصان العريضة؛ إذ تُظهر الشابات قدرتهن على الموازنة بين التقاليد والحداثة، وهو ما أكدته لنا التلميذة سارة من إحدى الثانويات بالمدينة الجديدة علي منجلي، التي قالت إن" هذه الملابس تمنحني حرية الحركة دون الشعور بالاختناق، خاصة في فصل الصيف". كما يرى كثيرون أن هذه الموضة تعكس بحثا عن الراحة في ظل أجواء قسنطينة الحارة، حيث تُفضَّل الأقمشة القطنية الواسعة على الملابس الضيقة التي تُقيّد الحركة. غير أن البعض الآخر يراها تعبيرا عن رفض المعايير الجمالية المُكرَّسة؛ كرد فعل على ضغوط الموضة السريعة التي تفرض أشكالًا جسدية مثالية. أولياء مرغمون.. ومدارس في صراع مع الشباب أثارت هذه الموضة جدلًا تربويا واسعا، حيث يرى بعض الآباء أن الملابس الواسعة تشتت انتباه الطلاب، وتُضعف هيبة المؤسسات التعليمية، وهو ما أكدته حليمة أستاذة اللغة العربية بمؤسسة بالطور الإكمالي، التي قالت: "بعض الإطلالات تشبه أزياء السجناء! وهو أمر لا يتناسب مع وقار المدرسة". وأضافت أن حمى هذه الموضة انتقلت سريعا، خاصة هذه السنة، من الطور الثانوي إلى الطور المتوسط، وأن التلاميذ، اليوم، اختلف مظهرهم كثيرا. وفي المقابل، تطالب عائلات بفرض زي موحد لوقف "غزو الموضة الدخيلة"، خاصة أن دولًا مثل فرنسا واليابان، فرضت قيودًا مشابهة في مدارسها، بينما يُعارض شباب هذا الرأي؛ باعتباره قمعًا لحريتهم. اقتصاد الموضة ومحلات تسبح عكس التيار من جهة أخرى، أجمع العشرات من أصحاب محلات بيع الألبسة سواء الرجالية أو النسائية، على أنه استجابة للطلب المتزايد، تحوّلت العديد من المحلات في قسنطينة إلى بيع ملابس "إيكس لارج"، مستوردةً تصاميمها من تركيا والصين، أو حتى مُنتجة محليًا بتكلفة أقل، حيث تحوّلت أغلب محلات المدينة الجديدة إلى واجهات ل«إيكس لارج"، والتي تشهد الأزياء بها إقبالًا غير مسبوق، وهو ما أكده لنا عدد من التجار، الذين أوضحوا أن الطلب على مقاسات الذكور الأكبر حجما، فاق توقعاتهم، حتى إن بعض الموديلات تنفد من الرفوف خلال أيام". لكن المفارقة تبرز في تحوّل الفتيات إلى شريحة مستهدفة جديدة، حيث تُخصص محلاتٌ أقساما لهنّ بقطعٍ واسعة لكن بتفصيلات أنثوية، ما رفع نسبة مبيعات الإناث إلى 40%، وفقًا للتجار. ويرى بعض الباعة أن هذا التحوّل "مكسب اجتماعي"، حيث إن ملابس البنات الضيقة كانت تسبب إحراجا لأولياء الأمور. أما الآن فالكثير منهم يرتاحون لهذا الخيار المحافظ، لكن الأسعار تبقى عائقا أمام بعض الأسر، ما يدفع البعض إلى شراء ملابس مستعملة، أو خياطة قطع مبالغ في حجمها.