في كلّ شبر صفحة من التاريخ تروي قصص الماضي بأمجاده التليدة وانتكاساته المحزنة، من دمشق حكم خلفاء بني أمية الدنيا ووطدوا للعرب والإسلام ملكاً صانوه بالسيف ودنانير عبد الملك··وفي دمشق عرّبت الدواوين، وصكّت الدنانير، ووحدّت قراءة القرآن، وبني للمسلمين جامع عجزت عن وصفه الأقلام، وفي دمشق أيضاً يرقد صلاح الدين··وفي هذا العام تتوّج دمشق بعد الجزائر "عاصمة للثقافة العربية"· افتتح سهرة أوّل أمس الرئيس السوري بشار الأسد احتفالية "دمشق عاصمة الثقافة العربية" لعام 2008 رسميا بدار"الأسد للثقافة والفنون"، وأشار الرئيس الأسد بكلمته لموقع دمشق على الساحة العربية بقوله "لدمشق معنى كبير وكلي حاضر بالوجدان العربي بوصفها مدينة الثراء الروحي ومنبعه ومبدعته"، وتابع بالقول " أين اتجهت بعاصمة الدنيا دمشق تعطرك برائحة الزمان الإنساني المنتشرة فيها، فالدروب التي سار عليها بولس الرسول مورقة بالمحبة التي زرعها، وبواباتها تفتح صدرها لكم والبسمة في عيونها وخالد فاتحا ذراعيه على بابها الشرقي يعانقكم بمحبة"· وأكّد الرئيس الأسد على دور دمشق الإنساني بالقول " وكما أنّ قدسنا هي درب من مروا إلى السماء، كذلك دمشقنا هي درب السماء للعالمين فمن دمشق انطلقت رسالة السيد المسيح للعالم ، ومن دمشق انتشرت رسالة النبي محمد (ص) فكنيسة القديس بولس وجامع بني أمية رمزان ساطعان على قوة الحب بدمشق"· ووصف الرئيس الأسد الثقافة العربية "بالعروة الوثقى والرابطة التي توحّد أمالنا وآلامنا، وإنّها أهم عامل يحدّ من أثار التجزئة السلبية على الوطن العربي الكبير، العامل المهم الذي يجعلنا حاضرين في هذا العالم رسوخها، وعمق جذورها هو عاصم الأمة من الانهيار أمام طوفان الأفكار الهدّامة والسدّ المنيع أمام ثقافة الهيمنة والقتل والتدمير"، واعتبر الأسد بأن مجابهة التحديات المطروحة تتطلّب العمل على تحقيق أمن ثقافي عربي، يكون جزءًا أساسيا مكملا للأمن القومي العربي، ويهدف لصيانة الهوية الحضارية للأمة العربية وتزويد أبنائها بالأدوات المعرفية الملائمة للمحافظة عليها · وتابع بالقول "رسالتنا رسالة العروبة رسالة الخير والإنسانية وعطاؤها الحضاري ثمرة عطاء جميع الشعوب التي تعارفت على أرضها، والتي يشرق وجهها بجميع الألوان التي تألقت على محيا أبنائها فأبدعت فكرا وأدبا وفنا وعلما وموسيقى وأنجبت رموزاً للثقافة الإنسانية عربية الوجه والقلب واللسان"وأضاف " الثقافة العربية تقيم علاقة حب وانفتاح مع ثقافة الآخر ودمشق أنموذجاً في ذلك فهي تفتح قلبها لمن يأتيها حاملاً قلبه وتغلق أبوابها أمام من يأتيها حاملاً سيفه "· وتابع الأسد بالقول " دمشق عاصمة للثقافة العربية درس عظيم وعميق دال على حوار الثقافات وتعايشها ، ورمز لوحدة التنوع رمز على تنوع الحياة وبرهان قاطع على عقم فكرة صراع الحضارات وإفلاسها "، وختم كلمته بالقول " صحيح أن دمشق تزهو بوردها الشامي وترش على القادمين إليها حباً عطر ياسمينها ، وتسقي العطاش من ينابيع مياهها العذبة، لكن لدمشق سيفاً ينتسب إليها سرعان ما تشهره في وجه الطامعين بها وفي وجه الذين يريدون بها سوءا "· أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى كلمته بأن دمشق كانت وستبقى منطلق الثقافة العربية والحضارة العربية، وقال "دمشق عاصمة الثقافة العربية" لها وقع خاص في نفوس العرب جميعا لأن تاريخها مجيد, فمنها انطلقت الدولة العربية، ومنها انطلقت الثقافة العربية إلى أصقاع الأرض لتحقق هذا الانتشار في إرجاء العالم ناقلة معها ليس الثقافة، وإنما الحضارة العربية والإسلامية التي لعبت دورا مهما في تطور البشرية جمعاء"· من جهتها أشارت د· حنان قصاب حسن، الأمينة العامة للاحتفالية للدور الثقافي الذي لعبته دمشق "جمعت دمشق ثقافات العالم القديم، عندما فتحت ساحاتها للقوافل ونشرت معارفها وعاداتها وحرفها حين أرسلت تجارها إلى بقاع الأرض "، وتابعت " في صالحية دمشق أقام المقدسيون من بني القدامى وبنو المدارس وعلى سفوح جبالها لجأ الهاربون من الحروب والمجاعات، وأقاموا فيها وامتزجوا بسكانها مما جعل منها مدينة كونية تحتضن الأعراق والأذواق في انسجام قل نظيره"، وأكدت حسن بأن سورية ستقدم للعالم صورة مشرقة للثقافة بأبعادها الأصيلة والتقليدية وبانفتاحها على المعاصرة بتقديم أفضل العروض العالمية· وحيا الدكتور المنجي بوسنينة المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بكلمته ، دمشق الموغلة بالتاريخ واعتبرها أم عواصم الدنيا، وأقدم المدن الضاربة جذورها مدى عمق التاريخ وعاصمة أشعت على المدى، وقال " إذا كانت كل العواصم العربية بالفطرة والسليقة والطبع والوراثة عواصم ثقافية وحضارية تستحق أن تعقد لها حفلات التكريم والتوقير والإكبار، فان موقع مدينة دمشق عاصمة العواصم الثقافية والشقيقة الكبرى التي أفاءت على العواصم الثقافية الأخرى ظلالها وعبقها" وأضاف بوسنينة " إن الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية ليس دينا واجبا على المنظمة بيت العرب الثقافي ومطلقة مشروع العواصم الثقافية العربية فحسب·· وإنما هو واجب من واجبات الأمة جميعها أفرادا وجماعات دولا وشعوبا مثقفين وعلماء"· شمل حفل الافتتاح فقرات فنية عديدة تنوعت بين الطابع المعاصر ، وبين ذاكرة دمشق حيث قدّم الفنانان عاصم سكر ورشا رزق لوحة غنائية بعنوان "الحب المعتق"برفقة كورال المعهد العالي للموسيقى بالاشتراك مع فرقة لاسما للرقص المعاصر، بينما قدّم مجموعة من الفنانين قراءات أدبية، حيث قرأ جمال سليمان وكاريس بشار نصين لنادية خوست، بينما قرأت أمل عرفة نصا لغادة السمان أما سلاف معمار فقد قرأت نصاً للمؤرخ القزويني وعباس النوري الذي تلا قصيدة "دارنا الدمشقية" لنزار قباني واختتمت القراءات بنص لمحمود درويش "قراءة الفنانين الخمسة"·