أحس بالإرهاق.. أشعر بالذنب تجاه أبنائي.. جسدي في العمل وعقلي مع جدول أعمال البيت .. هي شكاوى تتردد غالبا على لسان بعض النسوة العاملات، وهو ما تؤكده بالفعل بعض الدراسات التي تشير إلى أن المرأة العاملة أكثر عرضة للتوتر والضغط المهني مقارنة بالرجل، ولمعرفة أسباب ذلك سألت "المساء" بعض المعنيات. رغم أن بعض الدراسات تؤكد أن المرأة العاملة قد تصل إلى قمة السعادة بالنظر إلى كونها تستطيع إشباع حاجاتها المادية، إلا أن ما يشير إليه الخبراء من جهة أخرى بخصوص التوتر الذي يطارد المرأة يدفع للتساؤل: هل يضمن المرتب فعلا الراحة النفسية للمرأة العاملة؟ إجابة السيدة "نورية.ب"، محامية، كانت عبارة عن جملة من الشكاوى "إن اقتحامي لميدان العمل أفقدني عامل التركيز في معظم الأعمال التي أقوم بها، لأن كثافة برنامج العمل سواء في الداخل أو الخارج يشعرني بأني في سباق دائم مع الزمن، وثمن هذا الشعور الذي يحاصرني بالضغط غالبا ما يتمثل في تعكير مزاجي والحيلولة دون اهتمامي بجمالي." وتتابع "أصبحت امرأة عصبية تصب جام غضبها على ابنها لأتفه الأسباب، بل وفقدت حتى الرغبة في مجالسة أفراد عائلتي، ومعاناتي اليومية لا يحتويها سوى النوم الذي أتخذه كوسيلة للهروب من التوتر." أشعد بأني مطاردة وتروي السيدة "كوثر.س"، أم موظفة، "أنا دائمة التفكير في المعاناة اليومية المرتبطة بازدحام الطريق ومشكل تأخر المواصلات، لاسيما وأن المسافة بين مقر العمل والمنزل كبيرة جدا، وهذا الأمر ينعكس علي سلبا بعد العودة إلى البيت، حيث أتناول الأكل بسرعة وأقوم بكل الأشغال بسرعة تحت تأثير القلق الذي يشعرني بأنني محل مطاردة" ثم تعترف المتحدثة بأنها سرعان ما تنفجر صارخة في وجه ابنتها لمجرد أن تطلب منها طلبا بسيطا! وحسب وجهة نظر السيدة "جازية.أ"،مترجمة، فإن التوازن الذي تمكنت المرأة العاملة من تحقيقه، جاء على حساب صحتها، تقول "لقد صارت النرفزة سمة طاغية على معظم النساء العاملات، حيث أنها عنوان صارخ لكابوس التوتر، وكذا الضغط المهني الذي يتبعها إلى المنزل، والمؤسف في المسألة هو أن أطفالنا باتوا أول ضحايا للعصبية التي تسيطر على الأم العاملة." وتسترسل المترجمة "توتر المرأة العاملة يمثل مشكلة عصرية حقيقية، بدليل أن العديد من الحالات التي تتدخل الحماية المدنية لإنقاذها تعود إلى نساء عاملات ضحايا الإرهاق والانهيارات العصبية." ذهن مشتت لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للسيدة "زينب.ك"، أم لطفلين، حيث تقر بأن ذهنها غالبا ما يكون مشتتا أثناء العمل بسبب التفكير في الأشغال التي تنتظرها مساء في البيت وفي بعض المسؤوليات التي تخلى عنها العديد من رجال اليوم، كالتسوق واصطحاب الأطفال إلى المدرسة أو إلى عيادة الطبيب" ويزداد الأمر سوءا عندما يكون أحد الأطفال مريضا أو حينما تتصل المربية لتطلب مني استرجاع الأبناء قبل الموعد المعهود بسبب أحداث طارئة." وتضيف "إن المرأة العاملة التي تكابد ضغطا كبيرا في حياتها اليومية لا تستطيع بصراحة أن تلتزم بإتقان العمل سواء في البيت أو خارجه. فضلا عن تقلص مساحة علاقاتها الاجتماعية." وعموما إذا كان الخبراء يوصون المرأة بالاعتناء بمظهرها الخارجي وبالبيت والأولاد لتكون الأم والصديقة والزوجة، فإن بعض النساء العاملات يتساءلن عن كيفية تحقيق هذا المطلب، في حين أنهن جد مثقلات بالمسؤوليات التي تحولهن في بعض الأحيان إلى برميل توتر مهدد بالانفجار، خاصة وأن بعض الأزواج لا يتجاوبون مع حالاتهن النفسية بل ويتسببون في زيادة تدهورها أحيانا. وردا على نصائح بعض الخبراء تشير بعض المستجوبات إلى أن الاهتمام بالرشاقة، التثقيف وتجديد أسلوب الحياة لتحقيق السعادة الزوجية ليس بالأمر السهل في ظل الظروف الصعبة وعدم تفهم الرجل لطبيعة معاناتهن. وحسب رأي خبيرة نفسانية، فإن الضغوطات المضاعفة للمرأة العاملة سواء في الداخل أو الخارج، تؤدي آليا إلى تشتيت ذهنها، خاصة عندما يصعب عليها تحقيق التكيف، حيث أن تحقيق التوازن بين متطلبات المهنة والعمل المنزلي وبين المتطلبات النفسية والجسدية للفرد ليس بالأمر الهين. التوتر مقدمة الأمراض البسيكوماتية إن التوتر الذي تعاني منه المرأة العاملة، والناجم عن عدم القدرة على تحقيق الاتزان بين متطلبات البيت والعمل وبين قدراتها الذاتية يكون تأثيره كبيرا إذا استمر على المدى الطويل، يتجسد غالبا في الأمراض البسيكوسماتية، منها سرطان الثدي، ارتفاع الضغط الشرياني، أمراض القلب والجلد. كما تؤكد بعض الدراسات أن عدة نساء عاملات يعانين من التوتر الذي يقتفي آثارهن إلى المنزل كنتيجة لتراكم المسؤوليات، مما يؤثر على المناعة ويسبب الإحساس بالصداع واضطراب النوم ونقص الرغبة الجنسية وقلة الشهية أو زيادتها وسرعة الانفعال. الجدير بالذكر في المقابل هو أن تقارير المختصين في طب العمل تفيد بأن المرأة العاملة عرضة أيضا للأخطار والأمراض المهنية أكثر من الرجل، باعتبار أن الاستعمال الدائم لليدين لدى العاملات على آلات النسيج يؤدي جراء تكرار الحركات إلى تعب عظام مفاصل كل من المرفق والكوع والكتف، في حين أن وضعية الوقوف لدى الحلاقة أو الممرضة غالبا ما تكون سببا في آلام الظهر التي قد تحدث الشلل. وتوضح التقارير أيضا أن المرأة تستبعد عادة عن الوظائف الخطيرة أو الصعبة، إلا أن الوظائف التي تشغلها قد تعرضها إلى أخطار غير ظاهرة بسبب الوضعيات الصعبة وتكرار العمل وتأثيرات الاتصال مع الجمهور.